التغلب على المخاوف الأبويّة

التغلب على المخاوف الأبويّة

24 أكتوبر , 2019

الملخص:

هذا مقال للدكتور بيتر قري تم نشره في مجلة علم النفس اليوم يتحدث عن مشكلة تربوية عامة تتعلق بالمخاوف المبالغ بها للوالدين تجاه السماح لأطفالهم باللعب في الخارج بحرية ومخالطة أقرانهم وتأثير ذلك على سلوك الطفل ونشأته وتحصيله العلمي وشخصيته المستقبلية وتم تعزيز الفكرة باستطلاع يبين تجارب الوالدين وآرائهم تجاه الموضوع.

للكاتب:د. بيتر قراي

◄الجزء الأول: المخاوف المجتمعية اللامنطقية من شأنها إشعار الأبوين بالعجز وإلحاق الضرر بالأطفال أيضًا.

من طبيعة الأطفال قضاء ساعات يوميًا في اللعب مع أقرانهم بمعزل عن البالغين، حيث يمارسون مهاراتهم البدنية والعقلية ويكتشفون شغفهم ويتعلمون كيفية ابتكار أنشطتهم الخاصة وحل المشاكل التي يواجهونها والانسجام مع أقرانهم والتحكم بمشاعرهم والسيطرة على نزعاتهم. حرمان الأطفال من استقلالية اللعب له ضرر بالغ عليهم.

في الشهر الماضي، قمت بوضع منشور في مدونتي طالبًا من القراء تزويدي -في خانة التعليقات- بأفكار عن كيفية جعل الأطفال يلعبون في الخارج باستقلالية مجددًا في عالم اليوم، كان التركيز على اللعب الخارجي لأنه النوع من اللعب -تقليديًا- الذي يتضمن أنشطة مفعمة بالحيوية ومغامرات والأهم من ذلك هو الابتعاد عن تدخل البالغين. إنه أيضًا النوع من اللعب الذي يعاني الأطفال اليوم من الحرمان الشديد منه.

 38 قارئًا شاركوا طرقًا مختلفة جربوها أو يمكن تطبيقها لإعادة إحياء اللعب الخارجي. كجزء من التحليل النوعي غير الرسمي للأفكار المقترحة، قمت تصنيفها إلى ثلاث فئات: أولًا: طرق تساعد الوالدين على التخلص من مخاوفهم وهواجسهم تجاه اللعب الخارجي المستقل، ثانيًا، طرق تساعد الأطفال على إيجاد أقران للعب معهم، وثالثًا، جهود على مستوى المجتمع للتغلب على العوائق الاجتماعية التي تحد من حرية الأطفال في الهواء الطلق. يشكل هذا المنشور والمنشوران التاليان له ثلاثية، تتعامل على التوالي مع كل فئة من هذه الفئات الثلاث من الأفكار. نبدأ هنا، مع الأول.

ماهي الهواجس والمخاوف التي تمنع الآباء من السماح لأطفالهم باللعب في الخارج؟ باختصار، وفقًا للمتجاوبين، فإنها تأتي على ثلاثة أنواع رئيسة، والتي أناقشها تحت عناوين منفصلة أدناه.

●الخوف من تقصير الأطفال في الأنشطة الموجهة للبالغين

أصبحنا مهووسين بفكرة أن الأطفال يتعلمون وينضجون بتفاعلهم مع البالغين وضمنيًا صرنا نعتقد أن تفاعل الأطفال مع بعضهم البعض يعد مضيعة للوقت. نخاف أن طفلنا لن يكون قادرًا على صنع سيرة ذاتية مثل غيره أو لن يكون قادرًا على التنافس على المقاعد الجامعية وسوف يضيع كل ما بنيناه سدى.

تم التطرق لهذا التخوف أو تمت الإشارة إليه ضمنيًا في عدد من الردود على الاستطلاع. على سبيل المثال، كتبت لورا “أعتقد بأن أكبر عائق لإتاحة الحرية للأطفال باللعب الخارجي هو أولويات الوالدين. مجتمعنا تم توجيه تفكيره ليعتقد أن الأنشطة المنظمة هي الأكثر فائدة للأطفال. لأجل قلة من الآباء والأمهات الذين قد يدركون مزايا اللعب الحر ويريدون منح أطفالهم هذه الفرصة، لا يوجد قط أي وقت متبقٍ غير مجدول. بعد المدرسة، الواجب، والرياضة، والأنشطة اللاصفية. الأطفال ليس لديهم تقريبًا فترة راحة”. قارئ آخر(مجهول الاسم) كتب: “أعتقد أن الخطوة الأولى تكمن في السماح بوقت حر للأطفال. الكثير جدًا من الأطفال يومهم مجدول بالكامل. إذا منحناهم وقتًا، يقومون بخلق فرصهم الخاصة للعب بدون أي مساعدة منا. إذا أعتنق الآباء فكرة أنه لا بأس في عدم القيام بأي شيء، سيجد أطفالهم طرقًا إبداعية لملء هذا الفراغ”.

للتغلب على هذه المشكلة، يجب تذكير الوالدين أو عليهم بتذكير أنفسهم بالمنافع الكثيرة التي يتم تعلمها أثناء اللعب الحر. أحيانًا، عندما أتحدث لمجموعة من الآباء والأمهات، أطرح هذا السؤال: إذا فكرت بعمق في المسألة، ماهي حقًا أمنياتك وأحلامك المتعلقة بأطفالك؟ هل تريدهم أن يكونوا سعداء، وأن يعرفوا كيف يمكنهم صنع أصدقاء جيدين والمحافظة عليهم، وأن يكونوا كرماء ومهتمين بالآخرين، وأن يشعروا بالمسؤولية تجاه حياتهم الخاصة وأن يكونوا مقتنعين ومتفهمين لقدراتهم الخاصة، وأن يكتشفوا ويواصلوا السعي وراء اهتماماتهم العاطفية الخاصة؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنت إذًا بحاجة إلى السماح لهم بالكثير من الوقت للعب، لأن هذه الطريقة هي التي يطور بها الأطفال هذه الصفات. ومقارنةً بكل ذلك، ما مدى أهمية التحاقهم بهارفارد أو ستانفورد؟ ثم أواصل تقديم الدليل على أن الشباب الذين طوروا اهتماماتهم الحقيقية وكفاءتهم من خلال اللعب غالبًا ما يكونون مهيئين بشكل أفضل للقبول بالجامعة، وتقريبًا يكونون دائمًا أفضل استعدادًا لمعرفة ما يريدون من التعليم التكميلي (الأدنى من الجامعي)، أكثر من الأطفال الذين أمضوا معظم وقتهم في القيام بما أخبرهم به الكبار.

●الخوف من كون الأطفال غير المراقَبين معرضين لخطر جسدي

خلال العقود العديدة الماضية، كان الإعلام وخبراء ترويج-الخوف يقومون بتوجيه الوالدِين أكثر من أي وقت مضى للاعتقاد بأن أطفالهم في خطرٍ جسيم مالم تتم مراقبتهم باستمرار من قبل البالغين. الخوف الأكبر، حسب الاستطلاعات، أن الطفل سوف يتعرض للتحرش أو الاختطاف أو القتل من قبل شخص غريب. في الحقيقة، جرائم من هذا النوع نادرة للغاية، ولكن تم توجيه الوالدِين للاعتقاد بأنها شائعة. استشهد الوالدِين بحركة المرور كسبب لعدم صرف النظر المستمر عن الأبناء، بالرغم من أن التاريخ يظهر أن الأطفال في سن الخامسة يمكن أن يتعلموا ويلتزموا بالقواعد البسيطة التي تحافظ على سلامتهم من حركة المرور. لقد أصبحنا أيضًا خائفين بشكل غير عقلاني من الإصابات الناجمة عن السقوط أو الحوادث الأخرى التي تحدث أثناء اللعب – الكدمات والخدوش والتواء الكاحلين وكسور العظام العرضية التي كانت في وقت ما جزءًا لا يتجزأ من طفولة طبيعية، إنها التكاليف الصغيرة للحرية. كمجتمع، لقد نسينا أن الأطفال مرنين جسديًا بشكل ملحوظ ويتعافون بسرعة و-على المدى البعيد- يتعلمون من إصاباتهم أكثر من معاناتهم منها.

العديد من القراء علقوا على الطرق الممكنة للتغلب على هذه المخاوف. قارئ مجهول الاسم كتب أن ملاحظة الأطفال في الثقافات الأخرى ذات المخاوف الأقل قد يفيد. هذا الشخص عاش في اليابان لمدة 5 سنوات ولاحظ أنها/أنه ” غالبًا ما يرى/ترى أطفالًا بعمر 6 سنوات يذهبون بحرية من وإلى المدرسة أو الأنشطة دون البالغين أو اللعب في الحدائق دون مراقبة البالغين”. لاحظ آخرون أن الوالدين عليهم العمل على قدرتهم على الثقة. كتب جولي، ” أعتقد أن هناك مشكلة مع الثقة. نحتاج إلى زراعتها. الثقة بطفلنا؛ الثقة بأطفال الآخرين؛ الثقة بالوالدين…. لم تكن سهلة أبدًا بالنسبة لي. ولكني وجدت طرقًا لفعلها. لقد هدفت عمدًا إلى تنمية الثقة بيني وبين أطفالي، وبين عائلتي وبين العائلات الأخريات، وبين عائلتي وبين المجتمع الذي نعيش فيه”.

وعلى نفس المنوال، وصفت شيري مخاوفها عندما قام أطفالها بالالتحاق بجماعة الغابة التي لعبت في غابة صغيرة حيث خاضوا معارك بالعصا، وتسلقوا الأشجار، وشاركوا في مغامرات أخرى من هذا القبيل مع إشراف بسيط أو بدون إشراف من قبل شخص بالغ. وكَتَبَت: “أتذكر كم كنت متوترة في المرة الأولى التي كان فيها طفلي انضم لمجموعة للذهاب للغابة. لقد كنت خائفة من أن يصاب بأذى وذهب ذهني لحد الجنون بالتفكير”ماذا يمكن أن يحدث”. ومع مرور السنين، تعلمت أنه كان يجب علي الوثوق به. لقد سقط أولادي وحدث لهم بعض الجروح والكدمات والكسور ولكنهم استمتعوا! لم تمنعهم أبدًا -هذه الإصابات-، وقد تعلمت أن أثق بقدرتهم -غالباً- على اتخاذ قرارات جيدة أثناء وجودهم لوحدهم يلعبون. إنه لأمر رائع أن يكون لديك مثل هؤلاء الأطفال النشيطين الآن! “.

صديقتي وزميلتي لينور سكينازي مؤلفة كتاب “أولاد النطاق الحر” (Free Range Kids) ورئيسة منظمة “دعه يكبر” (Let Grow) غير الربحية المكرسة لاستعادة حرية الأطفال، قامت بتطوير وسائل بسيطة وفعالة لمساعدة الوالدِين على التخلص من المخاوف من ترك أطفالهم يذهبون ويكبرون. هذه المنظمة تدفع الأطفال والوالدِين للتفاوض مع بعضهم البعض بطرق تقود الوالدِين تدريجياً إلى تخفيف القيود. في الحقيقة، بعض المدارس الابتدائية المتعاونة مع منظمة (Let Grow) قامت باعتماد هذا التمرين كواجب منزلي. وضع الأطفال قائمة بالأشياء التي يرغبون القيام بها ولكن والديهم حاليًا يمنعونهم من فعلها. الواجب هو عرض هذه القائمة على والديهم، ومناقشتها معهم، والتوصل إلى نشاطٍ ما بحيث يكون الوالدان، على استعداد لتحمله -ولوكان بعصبية-. العبقرية في هذا التمرين تكمن في أن الوالدِين يجب عليهم أخذ الأمر على محمل الجد لأنه -في النهاية- واجب مدرسي! يجب على الطفل أن يقدم تقريرًا إلى الفصل، فمن هما الوالدان اللذان يريدان الطفل أن يبلغ أنه لم يُسمح له بأي شيء؟!

هنا مثال على كيفية عمل هذا التمرين. لنفترض أن طفلك يرغب بزيارة صديقه الذي يعيش على بعد شارعين مستعملًا دراجته، ولكن حتى الآن لم يُسمح له أبدًا بالخروج عن أعين الوالدين. الوالدان خائفون جدًا بالسماح للابنة بتحقيق رغبتها الكاملة على الفور، لذا يتم التوصل لحل وسط: ستقود الابنة الدراجة لمنزل صديقتها بمرافقة والدتها معظم الطريق ثم تسمح لها بإكمال بقية المسافة وحدها، بينما تراقب الأم ابنتها من بعيد. نتيجة هذه المغامرة البسيطة، هو الشعور حتمًا بالفخر. البنت والأم كلاهما فخوران بإنجاز البنت، والآن قد تكون الأم مستعدة للخطوة التالية نحو الهدف النهائي لحرية البنت في ركوب الدراجة والتوجه نحو منزل صديقتها لوحدها.

لينور لا تستخدم هذا المصطلح (على الأقل لم أسمعها قط تستخدمه)، لكن هذه نسخة مما يسميه الأطباء النفسيون “إزالة الحساسية المنهجية” (systematic desensitization)، وهي أفضل طريقة مجربة وحقيقية لمساعدة المراجعين على التغلب على الرهاب (الفوبيا). فلو كنت مثلًا تخاف من الأفاعي فعليك أولًا أن تنظر إلى صورة فيها أفاعي ومن ثم مشاهدة فيديو لأفاعي تتحرك، بعد ذلك شاهد أفاعي حقيقة من خلف الزجاج ثم المس الزجاج وأخيرًا قم بلمس الأفعى بينما يمسكها أحد ما حتى تتمكن من حملها بنفسك. قد يأخذ هذه الأمر عدة جلسات تحت إشراف معالج نفسي. على الأقل بعض الوالدِين الذين تمت معالجتهم عن طريق إجراء (Let Grow) -يمكن أن نقول- لديهم رهاب بشأن استقلالية طفلهم. أسلوب (Let Grow) الخاص بلينور يسمح للطفل، أساسًا، أن يكون هو المعالج، موجهًا الوالدين تدريجيًا من خلال زيادة مستويات استقلالية الطفل.

●الخوف من اتهام الأبوين بالإهمال إذا سمحوا للطفل بشيءٍ من الحرية

قد يقوم أحدهم بالتبليغ عن الأطفال بسبب تواجدهم في الشارع أو تحدثهم مع الغرباء، هذه المخاوف هي ما يعيق مجتمعنا مما يؤثر سلبيًا على أطفالنا والأسوأ من ذلك هو عندما تتعامل معها الجهات كقضية إهمال للطفل. قد يتطلب الأمر بعض الشجاعة للتغلب على المعايير الاجتماعية التي تعنى بحماية الأطفال، يستطيع الآباء تزويد أطفالهم بورقة ملاحظات تؤكد على حصول الطفل على إذن الوالدين للعب في الخارج مرفقة برقم هاتف الأبوين في حال حدوث أمر ما أو الرغبة بالحصول على معلومات أكثر.

والآن ماذا تعتقد؟ كيف واجهت أنت أو الآخرين الذين تعرفهم المخاوف المجتمعية التي تشل أطفالنا جسدياً وعقلياً؟

ترجمة: فاطمة فودة

تويتر: @f_fadda

مراجعة: عبدالرحمن الخلف

تويتر: @alkhalaf05

المصدر: https://www.psychologytoday.com




اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!