تقلبات المزاج ودماغ الأم: التحديات العاطفية للحمل

تقلبات المزاج ودماغ الأم: التحديات العاطفية للحمل

8 أغسطس , 2019

الملخص:

تتلقى التغيرات الجسدية في جسم المرأة أثناء الحمل الكثير من الإهتمام، ولكن لا يولى الإعتبار للتغيرات العاطفية التي يمكن أن تتعرض لها  فبالإضافة إلى صحتها البدنية، فإن الإستقرار العاطفي للمرأة وتوقعاتها الذهنية يمكن أن تلعب أيضاً أدواراً مهمة في فترة الحمل.

خلال أشهر الحمل التسعة يمكن لمزاجية وعواطف المرأة أن تتراوح من أعلى مستوياتها من الشعور بسعادة غامرة وحماسة حول وجود طفل إلى أدنى مستوياتها من الشعور بعدم الصبر والخوف من الولادة ومسؤولية الأمومة. و يمكن للحمل أيضاً أن يثير قضايا أخرى مشحونة عاطفياً، مثل العلاقات العائلية الصعبة وانعدام الشعور بالأمان والتوقعات غير الواقعية التي ربما كانت قد تم قمعها أو تجاهلها في السابق. بطرق أخرى  فإنه من المفيد للمرأة وشريكها أن لديهم ما يقرب من عام للتكيف مع واقع أن يصبحا والدين.

قالت الطبيبة ماري كيمل-المديرة الطبية لوحدة المرضى النفسيين في فترة ما حول الولادة وأستاذ مساعد في الطب النفسي في جامعة نورث كارولاينا في تشابل هيل-: “إن الحمل هو انتقال كبير في حياة المرأة، وهو ينطوي على مزيج معقد من المشاعر سواءًا كانت جيدة أو سيئة”. وأوضحت أن الحمل هو فترة زمنية فريدة من نوعها لعدد من الأسباب : “على المستوى البيولوجي، فإن هرمونات الاستروجين والبروجسترون تتزايد، في حين أن بعض النساء أكثر حساسية للتغيرات في هرمون البروجسترون وهذا قد يجعلهن أكثر عرضة للإنفعالات العصبية”.

وتقول د. كيمل-التي تخصصت في اضطرابات المزاج للنساء- أن هناك الكثير من القضايا التي يتعين على الأمهات أن تعمل عليها من الناحيتين النفسية والإجتماعية، قد تشمل هذه القضايا: ماذا سيعني الطفل لحياتي كلما تقدمت؟ كيف سيؤثر الطفل على علاقاتي، وهل سأحصل على الدعم من شريكي وأفراد أسرتي بمجرد وصول الطفل؟ هل سأكون أم جيدة، وكيف سأتعامل مع مسؤولياتي الجديدة؟

وهناك أيضاً مخاوف عملية ترتبط بولادة حياة جديدة في هذا العالم، مثل الإستعداد المالي الإضافي على الأسرة أو العيش على مصدر دخل واحد إن قررت المرأة عدم العمل خارج المنزل. يمكن أن تكون فترة الحمل وقتاً مثيراً ولكنها أيضاً مرهقة جداً مما قد يسبب اضطراب في المشاعر كما تقول د. كيمل. ونصحت النساء بأن يكونوا على وعي بأفكارهن ومشاعرهن، وأن يجدوا مكاناً للتحدث عن هذه المشاعر والعمل من خلالها.

هناك ثمانية مشاعر شائعة قد تواجهها المرأة قبل وبعد ولادة طفلها:

تقلب المزاج

سواء تم وصفها بأنها بالمزاجية أو التهيج أو التذمر، فإن الحمل يمكن أن يجلب أطنان من العواطف. فكما تقول د. كيمل:“الحمل هو نقطة تحول في حياة المرأة، وأثناء أي انتقال يمكن لمشاعر أي شخص أن تتراوح صعوداً وهبوطاً”، وتضيف بأن بعض مشاعر المرأة لا تتغير كثيراً عندما يكون ذلك مُتوقع، ولكن ليس من غير المألوف بالنسبة للمرأة أن يتقلب مزاجها وخاصة خلال المراحل المبكرة والمتأخرة من الحمل. وتشير إلى أنه ليس من الواضح تماماً لماذا تحدث هذه التقلبات المزاجية؛ لأن عدداً من التغييرات تحدث في جسم المرأة وكلها مرتبطة بمشاعرها. أحد الأسباب الرئيسية قد يكون فيضان من الهرمونات، حيث تقول: “بعض النساء حساسة للتغيرات في هرمون الاستروجين، في حين أن البعض الآخر يتأثر بارتفاع مستويات هرمون البروجسترون أو هرمونات الإجهاد”.

الخوف

الخوف هو أحد المشاعر الأخرى الشائعة خلال فترة الحمل. ففي الثلث الأول من الحمل قد تخشى المرأة من حدوث إجهاض أو القيام بشيء من شأنه التأثير على صحة طفلها، وفي الثلث الثاني من الحمل قد تبدأ في التساؤل عما إذا كانت ستكون أم جيدة وتكون خائفة من المسؤوليات الكبيرة لرعاية المولود الجديد. وبحلول نهاية حملها قد تكون المرأة خائفة من الألم أثناء المخاض أو أن شيئاً خاطئاً يمكن أن يحدث أثناء الولادة. قالت د. كيمل: “هناك الكثير من الأشياء التي لا تستطيع المرأة السيطرة عليها خلال الحمل”. وعدم اليقين هذا يمكن أن يؤجج أفكار الخوف، وتضيف بأن وجود بعض الخوف أمر طبيعي ولكن يجب على المرأة أن تعترف عندما يكون الخوف عالقاً في رأسها أو ما إذا كانت غير قادرة على التعامل معه.

القلق

في كثير من الأحيان يمكن أن يسير القلق والخوف جنباً إلى جنب، حيث أن الخوف من عدم اليقين الذي غالباً ما يأتي مع الحمل يمكن أن يؤدي إلى أفكار قلقة. وأشارت د. كيملبأن القلق هي مشاعر طبيعية والناس يشعرون به لسبب ما. وأوضحت بأنه على المستوى البيولوجي فإن كل من أنظمة القلق والخوف في الدماغ تتصاعد خلال فترة الحمل، وتساعد هذه التغييرات على ضمان أن تحافظ المرأة على سلامة طفلها ورعايته وحمايته بعد ولادتها. وقالت إذا كانت المرأة تعاني من القلق في الماضي فإنها أكثر عرضة لخطر الإصابة به خلال حملها بسبب الضغوط المتزايدة التي قد تواجهها. إلا أن الأبحاث أظهرت أن قلق الأم أثناء الحمل قد يؤثر على طفلها: فقد وجدت دراسة أجريت في عام 2013 أن الرضع المولودين للأمهات اللواتي يعانين من مستويات عالية من القلق أثناء الحمل كان لهن استجابة مناعية ضعيفة للقاحات بعمر 6 أشهر أو اقل ، مقارنة بالرضع المولودين للأمهات الأكثر استرخاءًا.

النسيان

إن الضباب العقلي و فقدان الذاكرة العرضي الذي قد يتسبب في بعض الأحيان في وضع المرأة لمفاتيحها في غير محلها أو فقدانها لهاتفها الخلوي وقد وصف بأنه “دماغ الحمل” أو “دماغ الطفل”. على الرغم من أنها شكوى شائعة فقد أظهرت دراسات الذاكرة والتغيرات المعرفية الأخرى في الحمل والأمومة المبكرة نتائج مختلطة. حيث اقترحت بعض البحوث أن غموض التفكير والنسيان قبل وبعد الولادة قد يكون نتيجة للتقلبات الهرمونية، وخاصة المستويات العالية من هرمون البروجسترون , الحرمان من النوم أو الضغط من صعوبة التكيف مع تحولات الحياة .

وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك بعض الأدلة على أن الحصين -وهو جزء من الدماغ مسؤول عن الذاكرة- قد يمر بتغيرات خلال فترة الحمل. ومع كل ما يجري في جسم المرأة الحامل وجميع الأفكار التي تدور في عقلها، فمن المنطقي أن المرأة قد لا تتذكر بعض الأشياء. ولكن من الأسباب الأخرى للنسيان أن المرأة تعطي الأولوية للأشياء بشكل مختلف وتقوم بالمزيد من المهام المتعددة، كما تقول د. كيمل.

البكاء

قد تجد بعض النساء الحوامل أنفسهن يبكون بشكل غير متوقع أو ينفجرون بالبكاء بعد التقيؤ في الأشهر المبكرة من الحمل. قد تبكي الحوامل كثيراً وبسهولة أكبر في المراحل المبكرة من الأمومة الجديدة لأن هذه التجارب تنطوي على مزيج معقد من المشاعر، كما قالت د. كيمل. وأوضحت أن إخراج المشاعر يكون بالدموع أحياناً، فقد تتسبب مستويات الهرمون المتقلبة أيضاً في نوبات البكاء. أما إذا كانت المرأة تبكي كثيراً ولا تتحسن فقد تكون هذه أحد أعراض الإكتئاب، والتي يمكن أن تؤثر على حوالي عشرة بالمئة من النساء أثناء وبعد الحمل.

مشكلة صورة الجسم

خلال الثلث الثاني والثالث للحمل يصبح الطفل أكثر بروزاً وتكتسب المرأة المزيد من الوزن، عندها قد تشعر بعدم الرضا عن جسدها ومظهرها وهذا قد يؤثر على تقديرها الذاتي. بعض النساء الحوامل تتعجب من هيئاتهن سريعة التغير ويشعرن بالتألق، في حين أن البعض الآخر يقلقن من زيادة الوزن واستعادة طبيعتهم بعد الولادة. قالت د. كيمل: إن هذه التغييرات في مظهر المرأة وشكلها وجاذبيتها المتصورة قد تؤدي إلى مزيج معقد من المشاعر، بعض هذه المخاوف المتعلقة بسمات الجسم قد تعني قبول حقيقة أن المرأة حامل وأن تغير جسدها نتيجة لذلك.

غريزة التعشيش

تختلف الأدلة حول ما إذا كانت “غريزة التعشيش” حدث حقيقي أثناء الحمل. حيث أظهرت الأبحاث أن هناك تغييرات في أدمغة النساء الحوامل، ففي نهاية الحمل يتزايد نظام المكافأة في الدماغ استعدادا لوصول الطفل وهذا يساعد على جعل الأبوة والأمومة تجربة مجزية. هناك أيضاً أنشطة اجتماعية وتحضيرات للأمومة مثل حضور حفلة استقبال الطفل “baby shower” وتجهيز المنزل لإستقبال الطفل وتزيين الحضانة والتي يمكن أن تؤدي جميعها إلى تعزيز غريزة التعشيش. قد تشعر بعض النساء برغبة قوية لطهو الطعام والتنظيف والتنظيم خلال الثلث الأخير من الحمل كطريقة للتهيئة الذهنية للتغييرات حيث أنه سيكون هناك طفل جديد وهذا يشعر المرأة الحامل بأنها مسيطرة على الوضع.

اكتئاب ما بعد الولادة

كان يُعتقد أن الحمل يعتبر وقاية ضد الإكتئاب فضلاً عن الأمراض النفسية الأخرى بسبب ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين، ولكن الآن اكتشف أن هذا ليس هو الحال. حيث تتعرض المرأة الحامل لنفس نسبة خطر الإصابة بالاكتئاب لأي امرأة أخرى. إن فترة ما بعد الولادة بشكل خاص هي وقت ضعيف للنساء ، فقد يزيد خطر الإصابة بالإكتئاب بسبب الإنخفاض الحاد في هرمون الاستروجين والبروجسترون بعد الولادة ولأن الأم الجديدة قد لا تنام بشكل جيد أو لا تتناول الطعام بشكل جيد.

في الأيام القليلة الأولى بعد الولادة، ما يصل إلى 80٪ من النساء قد تعاني من الكآبة النفاسية التي تسمى “baby blues“، فقد تعاني من أعراض تتراوح بين الشعور بالحزن ومشاكل النوم والبكاء المتكرر، وعادة ما تختفي هذه الأعراض بعد أسبوعين من الولادة. ولكن إذا كان لدى المرأة أعراض أكثر حدة تستمر لأكثر من أسبوعين، مثل الشعور بالخدر أو عدم الإهتمام بطفلها، أو إذا كانت لديها أفكار بأن الحياة لا تستحق العيش أو بإيذاء طفلها، فإنها تحتاج إلى التواصل الخارجي والبحث عن مساعدة، كما نصحت د. كيمل. هذه كلها علامات على اكتئاب ما بعد الولادة وهي حالة قد تؤثر على حوالي 10 إلى 20 في المئة من النساء اللواتي يلدن كل عام، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

اتضح أن أدمغة النساء اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة مختلفة عن أدمغة اللواتي بصحة جيدة -وفقاً لبحث نشر في عام 2010 في المجلة الأمريكية للطب النفسي- حيث وجد الباحثون أن مناطق الدماغ المرتبطة بمعالجة المشاعر كانت أقل نشاطاً في النساء اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة مما كانت عليه في الأمهات اللواتي لم يكن لديهن هذه الحالة. وهذا قد يفسر لماذا تواجه هؤلاء الأمهات عادة مشاكل في الترابط مع أطفالهن.

تُذكّر د. كيمل الأمهات اللواتي لديهن أطفال رضع بأنهن بحاجة إلى توفير الوقت لأنفسهن، سواءاً كان ذلك يعني الإستحمام أو الذهاب للنزهة، حيث قالت: “من المهم حقاً عند رعاية الآخرين هو التأكد من أن المرأة تأخذ من بعض الوقت لرعاية نفسها”. وبالنسبة للنساء اللواتي يعانين من الإكتئاب أو القلق قبل ولادة أطفالهن أو بعده فإن هناك مزيج من العلاجات الفعالة، بما في ذلك جلسات التحدث لمتخصص والأدوية الآمنة ومجموعات الدعم التي يمكن أن تقلل من الأعراض أو تزيلها.

ترجمة: أبرار مغربي

Twitter: @A__Ma14

مراجعة : خلود الشريف

Twitter: @kkoloud

المصدر: live science the most interesting articles mysteries and discoveries

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!