النواة النفسية للأشخاص اللا-أخلاقيين المعادين للمجتمع

النواة النفسية للأشخاص اللا-أخلاقيين المعادين للمجتمع

5 ديسمبر , 2018

Themalni/Shutterstock

الملخص

يكشف لنا الباحثون الصفة المبهمة التي تقبع داخل السلوك المؤذي، هذه مقالة كتبها الدكتور مارك ليري تتحدث عن الخصائص النفسية والسلوكية للشخصية المعادية للمجتمع والآثار المترتبة على تصرفاتها.

 

نحن لسنا مثاليين بكل تأكيد حيث نقوم من حين لآخر بفعل أشياء مؤذية لغيرنا، لكن البعض يكرر هذه التصرفات بشكل أكثر وينتج عنها تبعات أكثر خطورة من تصرفاتنا نحن. لعدة سنوات اهتم الباحثون بمحاولة فهم الأشخاص الذين يؤذون غيرهم مرارًا وتكرارًا سواء بالخيانة، الطمع، التلاعب، عدم تحمل المسؤولية، معاملة الآخرين بلا إنصاف أو السلوك الإجرامي (كالسرقة والتعدي على الآخرين والاعتداء الجنسي) أو حتى إيذاء أولئك الذين لا يستحقون الأذى.

 

منذ عام ١٩٥٠ درس الباحثون عددًا كبيرًا من سمات الشخصية المظلمة التي تتضمن تجاهل مصالح الآخرين كمُكوّن أساسي. أظهر البحث أن بعض الأشخاص عرضة للتصرف بطرق تؤذي الآخرين كما أنهم تمكنوا من تحديد عدة سمات ترتبط مع أنماط من التصرفات المؤذية. على سبيل المثال، أنماط التصرفات اللاأخلاقية المعادية للمجتمع قد تنشأ بسبب قلة التعاطف، التلاعب، الانحلال الأخلاقي، الاستحقاق النرجسي، الاندفاعية وعدد من السمات المظلمة الأخرى. كما أظهر البحث كذلك أنه ليس كل الأشخاص السيئين متشابهين.

 

أنهى فريق من علماء النفس الأوروبيين مؤخرًا برنامجَ بحثٍ يُظهر، بالرغم من الفروقات بينها، أن كل هذه السمات المعادية للمجتمع تجمعها نواةٌ مشتركة، وهو ما يدعى بالعامل المظلم للشخصية “Dark Factor of Personality أو ما يرمز له بالحرف “D” اختصارًا. سمة الشخصية هذه تؤدي إلى الدرجة التي تجعل هؤلاء الأشخاص يقتصر تركيزهم على تحقيق أهدافهم – أيا كانت هذه الأهداف وقتها- بينما يتجاهلون بقسوة حقيقة أن أفعالهم تؤذي الأشخاص الآخرين أو أنهم يؤذونهم عن قصد كي يحصلوا على مبتغاهم.

 

في لغة علم النفس؛ “D” تعني ميل الأشخاص نحو الحصول على الحد الأقصى من النتائج المرجوة على حساب الآخرين، وتعني كذلك تبرير تصرفاتهم المؤذية والضرر الذي يحدثونه من خلال مجموعة من المعتقدات المعادية للمجتمع. ولكن فقط انظر للعامل “D” كشكلٍ ضارٍ وخبيث من أشكال الأنانية. قد تظهر هذه الصفة المظلمة في الأشخاص بطرق مختلفة في أشخاص مختلفين، ولكن إذا قمنا بالتعمق فيها بشكلٍ كاف، نجد أن العديد من النزعات اللاأخلاقية المعادية للمجتمع تشترك في نفس النواة الأساسية.

 

ركز الباحثون على عدة خصائص نفسية تتضمن العامل “D” منها:

 

الميكافيلية: وهي تأييد استخدام الاحتيال والخداع للحصول على المبتغى.

 

الانحلال الأخلاقي: وهو يمثل تيار لا يعير فيه الأفراد أي اعتبار للآثار الأخلاقية المترتبة على أفعالهم.

 

النرجسية: وهو الإحساس المتغلغل بالفوقية والعظمة يرافقه الاعتقاد بأنه من حق الشخص استخدام -إن لم يكن إساءة معاملة- الأشخاص الآخرين للوصول إلى غايته.

 

الاستحقاق النفسي: وهو الاعتقاد بأحقية الشخص بأن يكون لديه أكثر مما لدى الآخرين وأن يتم التعامل معه بشكل أفضل منهم.

 

الاعتلال النفسي: وهو عدم وضع اعتبار للآخرين بعدم التعاطف معهم وعدم لتحكم بالذات (أو الاندفاع الشديد).

 

الحقد: وهو التصرف بطرق تؤذي الآخرين عادة لغرض الانتقام حتى وإن كان إيذاء الآخرين يؤذي الشخص نفسه.

 

السادية: وهي التصرفات متبلدة الشعور، المهينة والقاسية التي يلحق الأشخاص من خلالها الأذى الجسدي والنفسي أو المعاناة بالآخرين وذلك لفرض القوة أو للمتعة.

 

هذه بوضوح مجموعة سمات مقلقة بشكل غير عادي. المثير للاهتمام أن أولئك الذين يحصلون على نقاط عالية في كل منها، يحصلون أيضًا على نقاط عالية في العامل “D”.

 

بالبحث بشكل أعمق قليلًا، هذه الصفة الرئيسية المظلمة تتضمن حزمة من ثلاثة أمورٍ ملحوظة. الأول يسمى تعظيم المنفعة الشخصية، والذي يتضمن فعل مايلزم للوصول إلى ما يريده الشخص. مثلًا الأشخاص الذين حصلوا على علامات عالية في هذا المكون من العامل “D” قالوا أنهم مستعدين لقول أو فعل ما يلزم للحصول على مرادهم من الأشخاص الآخرين. المكوّن الثاني يتضمن تعمد فعل أشياء للأشخاص الآخرين الذي يقفون بوجه أهدافهم تتسبب لهم بالضيق أو إيذائهم جسديًا. وثالثاً، الأشخاص الذين حصلوا على علامات عالية في العامل “D” لديهم معتقدات تبرر لهم أعمالهم الخبيثة، كالاعتقاد بتفوقهم على الآخرين أو أنهم يحق لهم الحصول على ما يريدون.

 

الصورة التي يحصل عليها المرء للأشخاص الذين يحصلون على درجات عالية في العامل “D” هي صورةٌ من الأنانية المتطرفة الخسيسة. بالطبع، جميعنا نتطلع إلى مصالحنا الخاصة ونتصرف بطرق نعتقد أنها تحسّن حياتنا وتجعلنا سعداء. على الأغلب، السعي لتحقيق أهدافنا ليس له تأثير مباشر كبير -أو ربما ليس له أي تأثير- على مصالح الأشخاص الآخرين. ولكن أحيانًا قد يتعارض الوصول لأهدافنا مع قدرة الأشخاص الآخرين للوصول لأهدافهم – مثل الفوز بلعبة ما أو الحصول على الوظيفة – ولكن في هذه الحالات، الجميع يقبل مقدما أنه سيفوز شخص ما، وسيخسر آخر.

 

معظمنا في طريقنا نحو تحقيق أهدافنا في الحياة يحاول ألا يؤذي الآخرين، ولكن الأشخاص ذوي الدرجات العالية في العامل “D” لا يهتمون لذلك. في بعض الحالات، هُم بكل بساطة قد لا يقلقون بشأن حقيقة أن تحقيق أهدافهم يجرح الأشخاص الآخرين، ولكن في الحالات الأخرى الأشخاص ذوي الدرجات العالية في العامل “D” قد يقومون بإيذاء غيرهم عن قصد لتحقيق أهدافهم. والأسوأ من ذلك، أحيانًا يكون الهدف نفسه هو إيذاء الآخرين، كما هو الحال عندما يسعى الأشخاص للانتقام. وعندما يؤذون الآخرين، يبرر الأشخاص ذوي الدرجات العالية في العامل المظلم إيذاءهم للآخرين بالحصول على مبتغاهم.

 

الآن وقد حدد الباحثون صفة هذه الشخصية المظلمة، هناك حاجة لبحثٍ آخر عن كيفية نشوئها، ما الذي يجعل بعض الأشخاص يتجاهلون بشكل اعتيادي مصالح الآخرين بل إنهم يقومون بأشياء تسبب ألمًا كبيرًا لهم؟ وهل هناك ما يمكننا القيام به -كأفراد وكمجتمع- لخفض مستوى التجاهل الأناني الذي يكمن وراء الكثير من مشاكلنا ويسبب الكثير من الألم؟ قليلٌ من الأشياء الأخرى من شأنها أن تحسن المجتمع أكثر من إيجاد سبل للحد من انتشار “العامل المظلم للشخصية” (Dark Factor of Personality).

 

 

ترجمة: فاطمة فودة

 Twitter:@ f_fadda 

مراجعة: عبدالرحمن الخلف

Twitter: @alkhalaf05

 

المصدر:

Psychology Today: Health, Help and Happiness


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!