كيف يمكن أن تحسن التمارين من قدرتك على ضبط النفس

10 ديسمبر , 2017

 

الملخص: يتناول هذا المقال القدرة النفسية على التحكم بالدوافع وضبط النفس، وكيف وجد الباحثون أن القيام بتمارين معينة يساهم في رفع مستوى التحكم بالنفس، بالرغم من أن هذه الدراسات لا تزال محدودة.

 

يجد أغلبنا المغريات من حوله في كل مكان, بدءًا من بوفيه يحتوي على أصناف الحلويات و حتى متجر الأحذية الإلكتروني، إلا أن دراسة حديثة كشفت عن أن ممارسة التمارين قد تكون حلاً يقوي من إرادتنا ويساعدنا على تجنب اتخاذ القرارت المندفعة التي سنندم عليها لاحقاً.

يعد ضبط النفس أحد المبادئ التي نعرفها جميعاً و نتفق معها ولكننا لا نطبقها، فتطبيق هذا المبدأ يستلزم مقاومة عدد من المغريات التي تجذبنا، وهو ما قد يشعرنا فعلاً بعدم الراحة؛ ولكن عدم القدرة على التحكم بالنفس من الناحية الأخرى قد يؤثر على الصحة و العافية، حيث يساهم في عدد من المشاكل مثل زيادة الوزن و الاكتئاب و المشاكل المالية.

و بناءً على هذه التأثيرات التي تسببها عدم القدرة على التحكم بالنفس، اهتم العلماء و المعالجون بإيجاد طرق تساعد على رفع مستوى ضبط النفس عند الناس، والتزم بذلك العديد من المعالجين السلوكيين و غيرهم من الاستشاريين ولكن عادة ما تتطلب بعض الأساليب المعينة المساعدة من شخص متخصص، فقد كانت في الغالب تستعمل لعلاج الأشخاص المستسلمين لرغباتهم بشكل غير طبيعي.

أما بالنسبة لمن يريد أن يحسن قدرته على مقاومة رغبات نفسه ولو بشكل بسيط، فلم تثبت علمياً سوى بعض الأدوات لمساعدته على ذلك.

حيث  نشر مجموعة من الباحثين في جامعة كنساس بمدينة لورنس دراسة جديدة في العلاج السلوكي تبحث عن العلاقة بين ممارسة التمارين و تحسين القدرة على ضبط النفس.

حيث يعرف أن للتمارين آثار نفسية فعلية؛ فهي تساعد مثلاً على تحسين المزاج وتعزيز الشعور بالقدرة على الإنجاز. ووفقاً لذلك رأى الباحثون بأن ممارسة التمارين قد تحسن من طريقة تحكم الناس برغباتهم.

و للبحث حول هذا الموضوع، قام العلماء بداية بإجراء دراسة تجريبية صغيرة تضم فقط أربعة نساء و رجال تطوعوا للمشاركة في الدراسة و كانوا من الأشخاص قليلي الحركة والمصابين بالسمنة، تم إخبار المتطوعين بانضمامهم إلى برنامج تمرينات يعدهم للمشاركة في سباق 5 كلم و بأن الدراسة ستختبر بعض تأثيرات التدريب بما في ذلك التأثيرات النفسية.

بدأت مشاركة المتطوعين في الدراسة بالإجابة على عدد من الاستبيانات التي شملت استبانة تحدد ميولهم المتعلقة “بالتأجيل”، و هذه الاستبانة تعد مقياساً يستعمله علماء النفس لتقييم قدرة الفرد على التنازل عن متعة حالية في مقابل الحصول على متعة أكبر لاحقاً، فهو يختبر مثلاً إذا ما كان الشخص سيختار الحصول على 5 دولارات اليوم أو 15 دولار بعد أسبوع من الآن.

وتعد استبيانات “التأجيل” مقبولة بشكل عام في دوائر البحث باعتبارها مقياساً صحيحاً لقدرة أحد الأفراد على ضبط النفس.

ثم خضع المتطوعون بعد ذلك لنظام خاص بالمشي والهرولة استمر لشهرين مع مقابلتهم الباحثين ثلاث مرات بالأسبوع  لمدة 45 دقيقة، كان الباحثون خلالها يقومون بتدريبهم و وتحفيزهم للحفاظ على مستوى سرعة بدأ صعباً لكن يمكن الاستمرار عليه، كما أعاد المتطوعون الإجابة على الاستبيانات كل أسبوع.

أخيراً و بعد مضي شهر من انتهاء التدريبات الرسمية، عاد المتطوعون إلى الجامعة لإجراء مجموعة أخرى من الاختبارات (ركض اثنان منهم في سباق 5 كلم أيضاً في وقت لاحق).

وقد كانت النتائج مثيرة للاهتمام بالنسبة للباحثين، حيث أظهر ثلاثة من المشاركين الأربعة تحسناً ملحوظاً في القدرة على التحكم بالنفس و ذلك تبعاً لإجاباتهم على استبانة “التأجيل”، و قد استطاعوا تحقيق هذا التحسن بعد مضي شهر من انتهاء التدريب الرسمي، بينما لم تظهر أي تغيرات على مدى مقاومة المتطوع الأخير لرغباته بعد أن فوّت عدداً من الجلسات خلال إجراء الدراسة.

 

و على كل حال, تعد دراسة مكونة من أربعة أشخاص صغيرة جداً لتكون ذات معنى وفائدة، ولذلك أعاد الباحثون التجربة مع 12 امرأة تختلف أعمارهن وأوزانهن ومستوى لياقتهن، فظهرت النتائج متطابقة تقريباً مع نتائج الدراسة التجريبية الأولى, حيث اكتسبت معظم النساء درجة عالية من القدرة على ضبط النفس تبعاً للاستبيانات الخاصة بهن بعد اتباعهن برنامج المشي و والهرولة (اُخبرن في هذه التجربة بأنهن يُدربن لتحسين لياقتهن).

و كان هذا الارتفاع نسبياً، حيث تبين أنه كلما حضرت النساء جلسات أكثر أو كلما زاد متوسط سرعتهن في الهرولة كان التحسن أكبر في درجة استبانة “التأجيل”، وظهرت هذه النتائج على النساء بعد مرور شهر من انتهاء التدريب بالرغم من أن معظمهن تقاعسن عن أداء تمريناتهن اليومية بعد مضي الشهر.

 

يذكر قائد البحث مايكل سوفيس، طالب الدكتوراة في علم السلوكيات التطبيقي بجامعة كنساس، أن الاستنتاج الذي تكشف عنه هذه النتائج هو أن التمرين قد يكون طريقة سهلة تساعد الناس على رفع قدرتهم على ضبط النفس إلا أنها لا توضح لنا هاتان التجربتان كيف يمكننا مقاومة الرغبة في تناول قطعة من الكعك ولكن يبين السيد سوفيس كيف توصلت العديد من الدراسات السابقة إلى أن أداء التمارين باستمرار يحسن عمل أجزاء من الدماغ مسؤولة عن المستويات العالية من التفكير واتخاذ القرارات، ما يلعب دوراً هاماً في السيطرة على رغبات النفس.

ويذكر السيد سوفيس أيضاً أن أداء التمرين قد يحمل المزيد من التأثير النفسي المجرد على شعورنا بالسيطرة على النفس، حيث يمثل صورة واضحة من صور المتعة المؤجلة للعديد منا؛ فبذل الجهد خلال التمرين قد لا يشعرنا دائماً بالمتعة حينها،  ولكن ربما نشعر بها فيما بعد حين نستوعب أننا تمكنا من مواصلة التمرين، وهذا الشعور الجميل قد ينتقل لاحقاً ليؤثر على عملية اتخاذ القرار.

 

و على كل حال, تعد هذه التجارب بالطبع ذات مجال صغير و محدود مع وجود 16 مشاركاً فقط، معتمدةً بشكل رئيسي على مقياس حسابي اعتباري للقدرة على التحكم بالنفس، ففي هذه التجارب لم يقم الباحثون مثلاً بمتابعة ما إذا كان انجذاب المتطوعين لرغبات نفسهم قد انخفض فعلياً في حياتهم اليومية و يأمل السيد سوفيس مع زملائه في إجراء دراسة تابعة لهذا الموضوع  تبحث في الآثار الحقيقية للتمارين على قدرة الفرد لضبط نفسه.

أما في الوقت الراهن, فيقول السيد سوفيس أن هذه النتائج تشير إلى أن الأشخاص العاديين “يمكن أن يغيروا و يحسنوا من قدرتهم على ضبط النفس مستعينين بالنشاط الحركي”.

 

 

 

 

ترجمة: بشرى ضياء الدين

تدقيق: مهرة السلطان

Twitter: @m0hra

 

المصدر:

The New York Times: How Exercise Might Increase Your Self-Control

 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!