معضلة التفوق

معضلة التفوق

10 سبتمبر , 2017

يبدو المتفوقون في مجالهم من أمثال “ليبرون جيمس” (رياضي) و”أوبرا وينفري” (إعلامية) و”بيل جيتس” (صاحب شركة مايكروسوفت) كما لو أنهم يملكون كل شيء.

من خلال مزيج من الموهبة، الاندفاع، والعمل الجاد، يقودون مؤسساتهم للمستوى التالي. وفقاً لتقديرات حديثة فإن المتفوقين ينتجون من 20 إلى 30 مرة أكثر من الموظف العادي في مجالاتهم.

الكثير منا يطمح لجني الجوائز والاحترام والتأثير الذي نمتلكه عندما نكون الأفضل في مجالاتنا. ولكن الأبحاث الجديدة تبين أن الإنتاج عالي المستوى له تكلفة عالية: قد تجعل أقراننا يحتقروننا، ويقللون من عملنا الجيد. وأكثر من ذلك: “العقاب الاجتماعي” الذي يعاني منه نجوم الإنجاز يكون أكبر في مجالات العمل التعاونية.

قصة من هوليود تمثل توضيحًا ملائمًا:”توم هانكس” (ممثل) ربح على التوالي جائزة الأكاديمية لأفضل ممثل في العامين 1993 م و1994م لدوريه في فيلمين هما “فورست قامب” و”فيلاديلفيا”. جادل العديد من النقاد حول أن “هانكس” أدى بشكل جيد مماثل في عديد من أفلامه اللاحقة، مثل:”أبولو 13″ و”إنقاذ الرائد راين” وفيلم “منبوذ” (كاستاواي). لكن “هانكس” لم يحظ بأصوات زملائه الممثلين الآخرين ليتم ترشيحه لجائزة مقابل أدواره في هذه الأفلام. إن انعدام الترشيحات كما بدا لعدد من النقاد والمعجبين معًا أنه مقصود إلى حد ما؛ للحلول بين “هانكس” والجوائز التي يستحقها. أقران الممثل فشلوا في ترشيحه لجائزة أوسكار ثالثة بسبب الحسد والغيظ الذي يعلمون أنهم سيمرون به على الأرجح في حال ربحه جائزة ثالثة أيضًا.

هذه الفرضية تبدو صعبة المنال، ولكن من المعتاد أن يعاقب الأقران أقرانهم المتفوقين. على سبيل المثال، هناك تاريخ طويل من معاقبة عمال المصانع لأقرانهم الذي يعملون بسرعة “أكثر من اللازم”. يميل الأقران إلى عدم محبة زملائهم الذين يكسرون الأرقام القياسية لأنه من المرجح أن يزيدوا من توقعات الإدارة لما يمكن إنجازه خلال مدة زمنية معينة، أو مقابل أجر معين. المتفوقون يمثلون تهديدًا.

عقود من البحوث في المقارنات الاجتماعية توضح أنه عند مقارنة أنفسنا لأشخاص يعدون نسبيًا أفضل منا (أو بمثل مستوانا) في بعد معين، فمن المرجح أن نشعر بعدم الارتياح، الحسد، أو الخوف. هذه المشاعر تؤدي بدورها إلى التأثير على قراراتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين.

يعد الثراء أحد الأبعاد البارزة في مثل هذه المقارنات الاجتماعية. “لامار بيرس” من مدرسة” أولين” للأعمال وأنا استخدمنا بيانات من مركز فحص انبعاثات المركبات لدراسة كيف يؤثر انطباع المفتشين عن مقدار ثروة الزبائن على أخلاقيات المفتشين. قمنا بدراسة ما يحصل عندما يقوم مفتش بالموافقة على تمرير سيارات كان من المفترض أن تفشل في اختبار الانبعاث – وهو تصرف لا أخلاقي وغير قانوني أيضًا، لكن المفتشين في هذه الأحوال يعتبرونه نوعًا من المساعدة. قمنا بالتنبؤ بأن المفتشين الذين يتقاضون راتبًا متوسطًا وثروة متوسطة، يظهرون نوعًا من التعاطف تجاه الزبائن الذين يشاركونهم نفس الثروة (كمثال أولئك الذين يقودون سيارات عادية) وحسدًا تجاه الزبائن الذين يظهر عليهم الثراء (أي الذين يقودون سيارات فارهة).

وقد توقعنا أن تقود مثل هذه المشاعر إلى مساعدة غير مشروعة وسلوك سلبي كذلك.

وبالفعل، وجدنا أنه بالنسبة لعدد لا يستهان به من المفتشين، مستوى الاحتيال كان في صالح الزبائن الذي يملكون سيارات عادية. في التجارب المخبرية اللاحقة درسنا دوافع هذا السلوك السيكولوجي ووجدنا أن الناس كانت على استعداد أكبر لتقديم مساعدات غير مشروعة لأقرانهم الذين يقودون سيارات عادية أكثر من الذين يقودون سيارات فارهة وأن التعاطف والحسد معًا كان السبب وراء هذا التاثير.

كيف يؤثر حسدنا من زملائنا الأكثر تفوقَا منا على العمل؟ “إليزابيث كامبل” من جامعة “مينيسوتا” وزملاؤها قاموا بالبحث عن إجابة هذا السؤال في بحث جديد تضمن 350 مصفف ومصففة شعر من 105 صالون في تايوان. تشاركت الصالونات في العديد من خصائص مجموعات العمل في سياقات تنظيمية أخرى، فهي بيئة مفتوحة اجتماعيا ديناميكية حيث يجب على الزملاء  العمل بشكل فردي ومترابط لتحقيق النجاح. وجدت النتائج أن الأقران احتقروا وأهانوا وشوهوا سمعة زملائهم الأكثر تفوقًا منهم لا الأقل تفوقًا. بالإضافة إلى ذلك، كلما كان الفريق أكثر تعاونًا، كلما أساء الزملاء معاملة المتفوق بينهم.

ولمواصلة دراسة كيفية تفاعل أعضاء المجموعة مع أفضل أداء، قام فريق البحث ببدء تجربة مقيدة على 248 طالب أمريكي متخصص في إدارة الأعمال. وزعت المهام على هؤلاء الطلبة عشوائيًا إلى العمل ضمن مجموعة أكثر تعاونية أو أكثر تنافسية. قامت المجموعات بإكمال المهام المختلفة التي درست تفكيرهم النقدي ومهارات التحليل الناقد. أحد الأفراد في كل من المجموعتين (في الواقع سيناريو محوسب بدلا من مشاركة حقيقية) أدى إما بشكل مماثل أو أفضل بكثير من أقرانه.

أظهرت النتائج أن النجوم المتفوقين أثاروا ردات فعل مختلفة من أقرانهم بناء على المصادر المتاحة للأقران. فإذا كانت النتائج محدودة، فإن الأقران يشعرون بالتهديد والمنافسة تجاه المتفوق بينهم وبالتالي يقللون من شأنه. فيما إذا كانت المصادر متاحة، فإن الأقران يستفيدون من العمل مع المتفوق وبالتالي يدعمونه اجتماعيا.

لقد رأينا حتى الآن أنه عند مقارنة أنفسنا بالآخرين واكتشاف أنهم أفضل منا قد يقودنا الحسد إلى التقليل من شأنهم. لكن دراسة “كامبل” ورفاقها تشير إلى شيء أكثر شرًا: يغتاظ الأقران ويقومون بمعاقية نجوم الإنجاز بشكل استراتيجي، أي فقط عندما لا يكون في صالحهم دعم المتفوقين.

المتطلعون إلى الأعلى دوما وأصحاب الإنجازات العالية بشكل مستمر ذوي الأهمية عادة ما يكون من الصعب إيجادهم، وجذبهم وإبقاؤهم ويكلفنا استبدالهم؛ لذا على من يقودهم أو يديرهم أن يبقى يقظًا، منتبهًا لأي إشارات تدل على العزلة، كعدم الرضى وقلة المشاركة، وعليه أن يتدخل باكرًا لضمان أن يجدي استثماره فيهم. إن الانتباه لهذه المشكلات هام جدا، كما يقترح بحث” كامبل” وزملاؤها، في بيئة العمل التي تعتمد أكثر على التعاون من المنافسة. عن طريق معاونة الموظفين لإدراك أن الفوائد التي يجنونها من التعاون مع المتفوقين قد تفوق التهديد الناجم عن وجودهم، يستطيع المدراء التأكد من أن نجوم العمل مقدرون لا مهدورون.

 

 

 

ترجمة: آلاء المشيقح

مراجعة: خولة حافظ

Twitter: @kholahafiz

 

 

المصدر:

Scientific American

 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!