crossorigin="anonymous">
7 مارس , 2017 بلقيس الشريف
ظهرت المحاولات لكشف الكذب ومواجهته منذ القدم وذلك عن طريق مراقبة التغيرات الفسيولوجية “تسارع نبضات القلب، و جفاف الريق…الخ”، فقد كان أرسطو يجس نبض الشخص عند استجوابه فإذا بقي نبضه دون تغيير كان صادقاً، وإن أسرع دل على كذبه. وفي الصين منذ آلاف السنين كانوا يطالبون المتهم بأن يلوك في فمه حفنة من الأرز الجاف ثم يلفظها فإن وجد الأرز جافاً فهو مذنب. وفي إقليم سيناء اخترع البدو (البِشعة) للكشف عن الكذب وهي باختصار أن يجتمع الخصوم في مجلس عربي عند شخص يقال له المبشّع الذي يقوم بإحماء قطعة معدن هي أشبه بمقلاة البيض الصغيرة في النار حتى يصبح لونها كالجمر فيلعقها المتهم فإن كان صادقاً فلا تضره وإن كان كاذبا فهي تلتصق بلسانه، ذلك لأنه إن كان صادقاً يكون واثقا بحيث لايجف ريقه ويظل لسانه مبتلاً فلا يلتصق فيه المعدن أما الكاذب فيكون مضطرباً لدرجة أن ريقه يجف مما يجعل المعدن يلتصق بلسانه.
وذلك ليس دقيقا فقد يخاف المرء ويضطرب لمجرد الاستجواب وبالتالي يجف ريقه ويسرع نبضه لقلقه من الاتهام الباطل لا الكذب، وقد يكون المتهم كاذبا محترف اًلايظهر عليه أي اضطراب فسيولوجي.
كما يخطئ الكثير منا أيضاً في تحديد الإشارات الجسدية التي تفضح الكاذبين فمثلاً يظن حوالي 70% من الأشخاص أن تحول عين المتحدث عن النظر في وجه من أمامه يعد مؤشراً جيداً إلى الكذب، ولكن الأبحاث تشير إلى عكس ذلك، فهناك أسانيد تدلل على أن الأشخاص السيكوباتيين – نوع من اضطرابات الشخصية – يحدقون في وجوه من يحدثونهم عندما يروون الأكاذيب الصريحة.
جهاز كشف الكذب
تتمثل طريقة عمل أجهزة “البوليغراف”، التي تُعرف عادة بأنها تُستخدم لكشف الكذب، في قياس التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الجسم، وهي في هذه الحالة تتعلق بمعدل التنفس والنبض ومستوى ضغط الدم وكذلك الاستجابة الجلدية الكهربائية لقياس وجود السوائل من عدمها، وبعض الأجهزة تسجل حركة القدمين والذراعين، ويمكن أن يشمل ذلك وسائل أخرى، تُستخدم بدورها لكشف الكذب، مثل قياس التغيرات التي تشهدها حدقة العين، وكذلك قياس نشاط المخ باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي.
طريقة عمل أجهزة البوليغراف
هي إجراء اتصال بين المتهم وبين الجهاز بواسطة عدد من الأسلاك والأربطة التي تحمل انفعالاته إلى الجهاز فتعكسها المؤشرات العديدة الموجودة فيه وذلك في شكل خطوط ذات دلالات معينة ثم يلي ذلك توجيه أسئلة إلى المتهم ويقوم الجهاز بتسجيل الاستجابات الفسيولوجية التي تطرأ على المتهم أثناء الإجابات ويقوم الخبير بإعداد الأسئلة ويشترط أن تكون الإجابة عليها بنعم أو لا لأن الإجابات إذا كانت طويلة اختلطت التغيرات وتداخلت وتبدأ الأسئلة بتوجيه أسئلة لاعلاقة لها بالجريمة. وبذلك تكون الإجابات طبيعية و الانفعالات تبعا لذلك طبيعية، ويستمر المحقق في توجيه أسئلته بشكل عادي، ثم ينقلب فجأة بتوجيه سؤال يتصل بالجريمة، ومن بعد يعود إلى أسئلة عادية، ثم التحول إلى سؤال في الموضوع. وهذا ما يطلق عليه أسئلة التحكم ومن خلال سيناريوهات الأسئلة والأجوبة، يكون الجهاز قد سجل الانفعالات، التي يأخذها المحقق بعين الاعتبار في توكيد الكذب أو الصدق.
مدى دقة الجهاز وإمكانية التحايل
تنتاب المجرم مؤثرات تثير الانفعالات والقلق والاضطرابات وقد تنتاب البرئ أيضاً بسبب الخوف من الاتهام الموجه له أومن الظلم الذي قد يتبعه فصل من وظيفة أو دفع غرامات…الخ. ولما كان جهاز كشف الكذب عاجزاً عن التفرقة بين انفعالات نتيجة الكذب بالنسبة للمجرم وبين انفعال لأسباب أخرى بالنسبة للمتهم البريء، فإن النتائج قد تأتي غير معبرة عن حقيقة الواقع.
وقد ذكر الدكتور حسين محمود إبراهيم: “أن هناك مؤثرات قد تنتاب الأبرياء مثل معاناة الشخص من اضطرابات عقلية، أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، اضطرابات جهاز التنفس، اضطراب الشخص أو انفعالاته غير العادية أو الخوف الشديد لمجرد الاتهام، حركات عصبية غير ملحوظة يمكن أن تُحدث آثار تشي بارتفاع ضغط الدم”.
كما أن معتادي الإجرام يكونون أكثر ثباتاً إزاء مثل هذه الاختبارات نظراً لتمرسهم بالجريمة واعتيادهم على مواجهة المحققين والقضاة، ومن ثم فإن موقفهم في هذه الحال يكون أفضل كثيراً من مواقف الأبرياء الذين يضطربون بشدة عندما يواجهون مثل هذا الموقف. ثم إن هناك أسباباً تجعل الشخص ذاته من النوع الذي لا يستجيب لأي مثير، كما الشخص الذي يستوي لديه انكشاف أمره أو لا، والشخص الذي لديه قدرة على التحكم الشعوري، أو ذلك الشخص الواقع تحت تأثير الصدمة أو تأثير تدفق الأدرنالين ،أو ذلك الشخص الذي يرى في الجريمة تبريراً طبيعيا كمن يأخذ بالثأر، فالغبطة تأخذ مكان الانفعال لديه… وهكذا.
وفيما يتعلق بإمكانية التحايل على الجهاز وخداعه فلها عدة طرق؛ فبما أن فكرة الجهاز مبنية على قياس تغيرات الجسم الفسيولوجية؛ فإذن إن تمكن المشتبه به من التحكم بهذه التغييرات أمكنه ذلك من خداع الجهاز. ومن الاجراءات المتبعة في خداع الجهاز أن يعمد الشخص إلى زيادة معدل الإثارة الفسيولوجية في الأوقات الصحيحة تماما كأن يعمد مثلاً إلى عض لسانه أو يجري عملية حسابية صعبة أثناء إجابة أسئلة التحكم، ومما قد يجدي أحياناً لخداع الجهاز شرب المسكنات والمنومات ومسح الأنامل بمعطر يمنع العرق، والسعال.
وبالرغم من زعم المحققين المتكرر أنه بإمكانهم اكتشاف مثل تلك الإجراءات فإنه لم يثبت أي منهم ذلك بل على العكس ثبت عدم إمكانية اكتشاف ذلك. كما أن المعلومات عن الإجراءات المضادة لخداع الجهاز تتوافر في كثير من الموارد الشهيرة على شبكة الإنترنت وهي تؤدي بالتأكيد إلى تقليل فعالية اختبارات كشف الكذب.
وعلى ذلك فإن تسمية الاختبار باختبار كشف الكذب هي تسمية خاطئة لأنه يكشف الإثارة الشعورية وليس الكذب.
في الآونة الأخيرة أدخلت على الجهاز عدة تطورات تتمثل في ابتداع طرق تصوير للدماغ، تستهدف كشف حالات الذهن التي تعكس سلوكا صادقا. وأحدث التقنيات العاملة في هذا المجال ،تقنية تعرف بـ (الرنين المغناطيسي الوظيفي)حيث تمارس من خلال جهاز الـFMRI، المتخصص في كشف الكذب، باستخدام لوغاريتمية تحليلية معقدة تدعى مصنف الأنماط Patterns Classifier الباحثة في ذاكرة الإنسان، وتلك من ابتكار الباحثين في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة. كما قام الباحثون في جامعة هارفارد العام 2009م بابتداع أسلوب مسح الدماغ بالحصول على صور توضح نشاط بعض مناطق الدماغ، التي تكشف عن مدى السلوك المخادع ،بقياس الانفعال وصداه في قرارات الشخص.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن علماء النفس ـ سكوت ليلينفيلد وآخرون ـ يقولون:” أنه وعلى الأقل في المستقبل القريب لايزال الوعد بالتوصل إلى جهاز مثالي لكشف الكذب أحد معالم الخيال العلمي”.
المراجع:
– إبراهيم أحمد عثمان(2007)، مدى شرعية استعمال جهاز كشف الكذب في التحقيق الجنائي ودوره في إثبات التهم، مركز الدراسات والبحوث قسم الندوات واللقاءات العلمية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
– رضاعبدالحكيم(بلا تاريخ)،تقنياتكشفالكذبفيتشريعالإجراءاتالجنائيةالإسلامي، مجلة الوعي الإسلامي.
– سكوت ليلينفيلد وآخرون، أشهر خمسين خرافة في علم النفس، كلمات عربية للترجمة والنشر.
كتابة: مرام عبد العزيز
Twitter: @iMeemr1
مراجعة: عمر العماري
Twitter: @omar_br1
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً