دور الواقع الافتراضي في تحسين الوظائف العصبية للمصابين بالشلل النصفي

27 فبراير , 2017

ترجم بواسطة:

سمية العنقري

دقق بواسطة:

هاله الشمري

دور-الواقع-الافتراضي-في-تحسين-الوظائف-العصبية-للمصابين-بالشلل-النصفي

ذكرت قناة (Sky News) في إحدى تقاريرها: “ساعد الواقع الافتراضي قرابة ثمانية مصابين بالشلل لاستعادة بعض الشعور في أرجلهم مما أحدث (مفاجأة كبيرة )”، فقد دُهش الباحثون حين استخدموا الواقع الافتراضي (VR)* مع الهيكل الخارجي الروبوتي ليجدوا أن المشاركون استعادوا بعضًا من الوظائف العصبية.

إن المشاركون الثمانية كانوا يعانون من الشلل النصفي السفلي، وقد شاركوا في برنامج المشي مرة أخرى لإعادة التأهيل العصبي (neurorehabilitation)، فعادة ما يعود سبب الشلل النصفي لإصابة في العمود الفقري بحيث لا تصل الإشارات العصبية من المخ  إلى الساقين.

وصمم البرنامج على استخدام الهيكل الخارجي مع الرد على الإشارات الكهربائية للدماغ عن طريق الواقع الافتراضي والذي بدوره  وفر التحفيز البصري واللمسي، والمقصود باللمسي هنا إحساس اللمس، وهي محاكاة للتكنولوجيا اللمس المستخدمة في شاشات الهواتف الذكية والتي تسبب “الاستجابة”.

فالهدف من الجمع بين التقنيات هو خلق المحاكاة للنشاط البدني، مثل المشاركة في مباراة افتراضية لكرة القدم، وتوقع الباحثون أن يُحسن التدريب الكفاءة في استخدام الهيكل الخارجي، وكان اكتشاف تَحسن وظائف العصب في الواقع مفاجأة سارة.

حيث ظهر على جميع المرضى تحسنًا في قدرتهم على الإحساس والسيطرة على العضلات الرئيسية، وكذلك التحسن في قدرتهم على المشي، وافترض الباحثون أن النشاط الظاهري قد ينفض الغبار عن شبكة التواصل العصبي في العمود الفقري ويساعد في إحيائها.

ووفقًا لمدة شلل للمشاركين والتي تتراوح ما بين 3 سنوات إلى 15 سنة، يخطط فريق البحث الآن لاستخدام التقنية ذاتها على المصابين بالشلل لفترة قصيرة، لمعرفة ما إذا كانت النتائج أكثر أهمية.

 

من أين أتت القصة؟

أجرى هذه الدراسة عدد من الباحثون من مؤسسات مختلفة منها: جمعية ألبرتو سانتوس لدعم البحوث و جامعة ميونيخ وجامعة ولاية كولورادو وجامعة ديوك، ومولت من قبل الوزارة البرازيلية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وأكد الباحثون عدم وجود تضارب المصالح في كافة الجوانب.

ونُشرت هذه الدراسة في دورية خاصة بنشر التقارير العلمية، فهي متاحة للجميع سواءً كان القراء من الانترنت أو غيره، كما ذكرت وسائل الإعلام البريطانية على صدد هذه النتائج التي تضمنت اقتباسات من كُتابِ الدراسة معربين فيها عن عدم تصديقهم لما رأوه، وأشاروا إلى: “في الواقع كل واحد من هؤلاء المرضى، قد محى دماغه فكرة وجود الساقين، (أنت مشلول ولا تستطيع أن تتحرك، ولا تتوفر أي إشارات لردود الفعل في ساقيك)”، وقال البروفيسور نيكوليلس: “بعد ربط واجهة الدماغ الحاسوبية (Brain–computer interface)* بالبيئة الافتراضية، كنا قادرين على رؤية هذا المفهوم يعود تدريجيًا للظهور في الدماغ”.

كما وقدمت بي بي سي نيوز (BBC News) شريط فيديو قصير لأحد المشاركين – الذين كانوا مصابين بالشلل لسنوات – حيث ذكر: إن الخطوات الأولى تشبه السير على جهاز المشي.

ما نوع هذا البحث؟

هذه الدراسة عبارة عن تقرير لثمانية أشخاص مصابين بالشلل النصفي، حيث تهدف لاستكشاف إلى أي درجة تتفاعل واجهة الدماغ الحاسوبية (BMI) مع أجهزة الواقع الافتراضي، فيمكن أن يساعد ذلك الأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي على استعادة القدرة على المشي باستخدام الهيكل الخارجي الذي يسيطر عليه المخ.

يعرف الشلل بفقدان القدرة على تحريك واحدة أو أكثر من عضلات، وقد يترافق مع ذلك فقدان وظائف الجسم الأخرى، فهذه الدراسة أتيحت للمشاركين المصابين بالشلل النصفي -أي شلل في الساقيين-، وعادة لا توجد أي مشاكل لديهم مع عضلات الساق نفسها، وإنما في مسار نقل الإشارات العصبية الحسية أو الحركية من الحبل الشوكي والدماغ.

فالأشخاص الذين يعانون من الشلل النصفي عادة ما تكون لديهم القدرة على أن يعيشوا حياة مستقلة ونشطة، وذلك باستخدام الكرسي المتحرك للقيام بأنشطتهم اليومية، ولتحديد ما إذا كانت هذه التكنولوجيا سوف تعمل على نطاق واسع أو على الأشخاص الذين يعانون من مستويات مختلفة من الشلل، سوف نحتاج إلى المزيد من التجارب الإكلينيكية (السريرية).

ماذا شمل هذا البحث؟

جَند الباحثون ثمانية مصابين بالشلل النصفي والذين كانت إصابتهم في الحبل الشوكي مزمنة، ثم اِرتدى المشاركون قبعات موصوله بأقطاب كهربائية لقراءة إشارات المخ، وطُلِب منهم تخيل تحريك أذرعهم لخلق نشاط للدماغ، وبمجرد أن أتقنوا هذه الخطوة كانوا قد تعلموا كيفية التحكم بإشارات المخ وتسخيرها للتحكم بصورة شخصية ثلاثية الأبعاد* (Avatar)  أوساق روبوتية* يستطيعون من خلالها تخيل تحريك أرجلهم الحقيقية، فالمشاركون متصلون بـ (Avatar) من خلال سماعات واقع افتراضي، والتي وفرت الصور وعدد من أجهزة الاستشعار اللمسي لإعطاء قوة لردود الفعل عن طريق اللمس، لذلك بدى لهم كأنهم حركوا أرجلهم.

فقد ساعدت الباحثون قرأتهم للإشارات الكهربائية على التحكم بالهيكل الخارجي للجسم، كما وحققوا حول العديد من الأنشطة المعقدة على مدى مدة الدراسة لضمان استقرار جهاز القلبي الوعائي لدى المرضى والسيطرة على وضع الجسم.

وشمل الأمر تدريب المشاركون على طريقة مشي مختلفة أشبه بالنظم الروبوتية، حيث كانت هذه الأنشطة وفقًا للستة مراحل:

– كان المشاركون جالسون بينما يتم توثيق النشاط الدماغي بواسطة الرسم الكهربائي للدماغ (EEG)، بعد أن أتقنوا التحكم بتَحركات جسم (Avatar) في بيئة الواقع الافتراضي.

– يتم إعادة ما سبق ولكن وهم واقفون.

– التدريب على دعم وزن الجسم في حلقة مفرغة (بواسطة جهاز روبوت يساعد على المشي).

– التدريب على دعم وزن الجسم في مسار على الأرض.

– التدريب على دعم وزن الجسم للجسم الروبوتي -الذي يخضع لتحكم المخ- في حلقة مفرغة.

– التدريب باستخدام الهيكل الخارجي الروبوتي الذي يسيطر عليه المخ.

كما وأجريت عمليات تقييم إكلينيكية بعد نهاية اليوم الأول من التجربة ثم في الشهر الرابع و السابع و العاشر و الثاني عشر، فشملت هذه التقييمات على اختبارات لكل مما يلي:

– مستوى الضعف (انخفاض القيم الطبيعية).

– درجة الحرارة والتذبذب والضغط والحساسية.

– قوة العضلات.

– التحكم في الجسم.

– الاستقلال الذاتي.

– قياس مدى الألم.

– مدى الحركة.

– جودة الحياة.

ماهي النتائج الأساسية؟

أجرى المشاركون الثمانية في الدراسة 2052 جلسة، بلغ مجموعها 1958 ساعة، وبعد 12 شهرًا من التدريب مع الأجهزة الروبوتية نجح كل المرضى في إضافة تحسينات على الجهاز العصبي من حيث القدرة على الشعور بالألم واللمس.

وأيضًا تحسن المرضى في تحكمهم بالعضلات الرئيسية و قدرتهم على المشي، ونتيجة لهذه الدراسة، تغير مستوى نصف المشاركين ممن كانوا يعانون من شلل نصفي كامل إلى شلل نصفي غير كامل (أي يكون بإمكان المريض الاحتفاظ ببعض الوظائف الحركية والحسية).

كيف فسر الباحثون النتائج؟

لخلص الباحثون النتائج بقولهم: “عمومًا إن النتائج التي تم الوصول إليها في دراستنا تشير إلى أن تطبيقات واجهة الدماغ الحاسوبية (BMI) يجب ترقيتها من مجرد نوع جديد من التكنولوجيا المساعدة إلى مساعد حقيقي للمرضى لاستعادتهم للحركة، فمن خلال استخدام الأطراف الاصطناعية التي يتحكم فيها المخ نستطيع إعادة تأهيل الأعصاب من جديد، إن الأمر يحتمل إحداث انتعاش جزئي للوظائف العصبية الرئيسية”.

وأضافوا: “مثلًا لم يكن متوقعًا من الإمكانية الإكلينيكية عمل دراسات على واجهة الدماغ الحاسوبية الأصلي؛ لذلك فإن النتائج الحالية تثير علاقة نماذج تستند عليها هذه الواجهات في تأثيرها على إصابات النخاع الشوكي (SCI) وإعادة تأهيل المرضى، ومن هذا الصدد سيكون من المثير للاهتمام للغاية تكرار هذه الدراسة بمشاركة المرضى تعرضوا لإصابات النخاع الشوكي قبل بضعة أشهر فقط، للبدء بتدريب واجهاتهم الدماغية الحاسوبية، فإننا عازمون على متابعة هذه البحوث، وبناء على النتائج التي توصلنا إليها نتوقع أن هذه الفئة من المرضى قد يَصِلوُن إلى مستويات انتعاش عصبي جزئي أفضل من خلال توظيف بروتوكول واجهة الدماغ الحاسوبية”.

استنتاج

أردنا من خلال هذه الدراسة المطبقة على ثمانية مشاركين مصابين بالشلل النصفي إثبات ما إذا كانوا قادرين على استعادة قدرتهم على المشي باستخدام الهيكل الخارجي الذي يتحكم فيه المخ.

وتوصلت الدراسة إلى أن المشاركين تحسنوا عصبيًا من حيث قدرتهم على الشعور بالألم واللمس والسيطرة على العضلات الرئيسية وأجروا أيضًا تحسينات على قدرتهم على المشي.

وأظهرت هذه النتائج التناغم واللدونة العصبية – أي أن خلايا الدماغ قابلة للتغيّر والتطوير -، فيمكن أن يستمر الدماغ بالتغيير والتكيف مع مختلف المحفزات البيئية، لذلك يمكن أن يعود سبب إنعاش المسارات العصبية التالفة – النائمة لسنوات عديدة – إلى أنواع الأنشطة التي تمت ممارستها.

صحيح أن هذه التكنولوجيا مثيرة، ويمكن أن توفر الأمل للأشخاص الذين يعانون من إصابات الحبل الشوكي، إلا أنها لا تزال في مراحلها المبكرة جدًا، فهذه النتائج على ثمانية أشخاص فقط، ولا بد من إجراء المزيد من التجارب على العديد من الناس يختلفون في أسباب والشدة الشلل النصفي، بغرض تأكيد أكبر قدر من الفائدة ممكن أن يحققوه، وفي الوقت الحالي يعد الأمر سابق لأوانه لمعرفة ذلك ومتى يستطيعون تحقيقه.

من المتوقع أن تستمر تكلفة تكنولوجيا الواقع الافتراضي بالانخفاض، في ضوء ما تشهد من تطور، لذلك فإن استخدامها بشكل كبير في إعادة التأهيل قد يصبح في مرحلة ما في المستقبل القريب حقيقة.

(*) مصطلحات مفتاحية

– الواقع الافتراضي (VR): مصطلح ينطبق على محاكاة الحاسوب للبيئات التي يمكن محاكاتها مادياً في بعض الأماكن من العالم الحقيقي، وأحدث بيئات الواقع الافتراضي في المقام الأول هي التجارب البصرية، تقدم عن طريق عرض على شاشة الكمبيوتر أو من خلال عرض مجسم خاص، ولكن بعض المحاكاة تتضمن معلومات حسية إضافية مثل الصوت من خلال مكبرات الصوت أو سماعات الرأس، وبعض الأنظمة المتقدمة لمسية، وتشمل المعلومات عن طريق اللمس، والمعروفة عمومًا باسم قوة ردود الفعل، وتتوفر في التطبيقات الطبية والألعاب الإلكترونية.

– واجهة الدماغ الحاسوبية (Brain–computer interface): هي الواجهة العصبية المباشرة أو آلة واجهة الدماغ (BMI)، وهو تطوير لما يعرف ببوابة الدماغ (Brain Gate) ، وهو مصطلح علمي يصف عملية تحويل الإشارات الكهربائية الناتجة عن النشاط العصبي لخلايا الدماغ، إلى أوامرٍ يتم عبرها التحكم بالآلات وأنظمة الكترونية وأجهزة، وذلك من خلال المساعدة المعرفية أو الوظائف الحسية والحركية عند الإنسان.

– صور شخصية ثلاثية الأبعاد (avatar): تقنية رقمية تمثل صور ثلاثية الأبعاد للشخص على شبكة الإنترنت، على سبيل المثال يمكننا مشاهدتها في بعض الأفلام العلمية أو ألعاب الفيديو أو …

– الساق الروبوتية: تقنية جديدة تعتمد بشكل كبير على محاكاة حركة الإنسان الطبيعية، كما أنها أخف وزناً وأكثر فاعلية، وتساعد مستخدمها في ضبط توازنه بسرعة دون التعرض للحوادث أو السقوط.

ترجمة: سمية العنقري

__Twitter: @so0oma

مراجعة: هاله عبد العزيز الشمري

Twitter: @HalahAlshammari

المصدر:

NHS.UK

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!