لماذا تجعلنا الأشياء الجديدة نشعر بشعور جيد ؟

لماذا تجعلنا الأشياء الجديدة نشعر بشعور جيد ؟

11 يناير , 2015

happy

كلنا نحب الأشياء الجديدة البراقة,  سواء جهاز جديد, مدينة جديدة, أو وظيفة جديدة. في الواقع أدمغتنا مهيئة لتُجتذب كل ما هو جديد, و فيما يبدو أنه يحسن الذاكرة, بل حتى قدراتنا على التعلم. و سنقوم بتحليل سبب ذلك بعد قليل:

لما انتقلت إلى بلد جديد, كنت محاط بمشاهد, أصوات و خبرات جديدة. إنها حمولة ثقيلة بما هو جديد على دماغي. ولكن, بمرور أسبوع واحد فقط أتفاجئ بمنزلي و الحي الذي أسكنه بات مألوفاً بسرعة. بعد المشي من نفس الطريق بمحطات القطار ثلاث أو أربع مرات, أصبح مملاً بسرعة. كيف يمكن للحداثة أن تختفي بمجرد اعتيادنا على محيطنا, و في المقابل كيف نُحفَز كلياً عندما نقبل على تجربة حديثة نقوم بها أو منظر جديد نشاهده.

اتضح أن هذا ليس متعلق بكوني من الجيل المهووس بفحص بريده الإلكتروني و مدمني الإنترنت. أو لأني لا أقدر الحياة كفاية. وإنما هو جزء ثابت في أدمغتنا لتقدير الأشياء الجديدة والبحث عنها.

كيف نجد الحداثة

إن أي ما هو جديد, مختلف أو غير مألوف محتم عليه أن يلفت النظر. جوال جديد, بيئة عمل جديدة, صديق جديد. تغيير لون شعرك, ارتداء ملابس جديدة , زيارة مكان جديد. في الواقع من الممكن أن نجتذب إلى ما هو حديث دون وعي منا. بالطبع و إلا لما اجتذبنا لإتمام مهمات مألوفة باستمرار.

إن الجانب الرائع لهذا, هو كيف أن الحداثة مرتبطة بصورة معقدة بالتعلم, مما يعني إمكانية استخدامنا العلم لصالح تعلم ما هو جديد و تطوير ذاكرتنا.

كيف يتعامل المخ مع الحداثة

هناك منطقة في المخ الأوسط (Midbrain) تدعى المنطقة الداكنة /الجزء البطني Substantia Nigra/ Ventral Tegmental Area=(SN/VTA ). وهذه هي المنطقة الرئيسية  للحداثة في المخ, و الذي يستجيب للمؤثرات الجديدة. منطقة SN/VTA متصلة بمنطقتين في المخ هما هيبوكامبوس (الحصين) و أميجدالا (اللوزة). وكلاهما يلعبان دوراً مهماً في الذاكرة و التعلم. الحصين (Hippocampus) يقارن المؤثرات بالذاكرة الموجودة, بينما اللوزة (Amygdala) تستجيب للمؤثرات العاطفية و تقوي الذاكرة طويلة المدى.

سابقاً كان يُعتقد أن الحداثة مكافأة بحد ذاتها, لكن مثل الدوبامين, يبدو أنه متعلق بالتحفيز. الباحثين بنزك و دوزل قاموا بتجربة (الكرة الغريبة Oddball experiment) استخدموا فيها تقنية fMRI  لرؤية استجابة المناطق التي تفاعلت لما هو جديد في المخ. أظهروا للمشاركين صورا مثل: مشاهد للهواء الطلق و للأماكن المغلقة ووجوه مع عرض صور كرات بشكل متقطع و متباعد.

وجدت التجربة أن منطقة SN/VTA كانت نشطة عند عرض الصور الجديدة, والتي تكون صور حديثة والتي لم يراها المتطوعون من قبل. والصور التي كانت مختلفة عن الصور السابقة بقليل لم تكن لها نفس الأثر. وكذلك لم يكن هناك نشاط ملحوظ في منطقة SN/VTA عند عرض صور تحمل في طياتها مشاعر سلبية مثل حوادث سيارات أو وجوه غاضبة. المسار الذي يسلكه الدوبامين, والذي ينشط إذا تعرضنا لما هو جديد , والذي يتضح في الصورة أدناه بالأزرق.

dbgz9fnaea5spzw6gvcs

الجزء الثاني من التجربة ,صممت لاختبار إذا ما كان التعرض لما هو جديد كلياً أو نسبياً , ضرورياً لنشاط منطقة SN/VTA. الصور المعروضة كانت حديثة نسبياً للمتطوعين في التجربة, كما عرضوا صوراً حديثة كلياً مقارنة بالحديثة نسبياً.

منطقةSN/VTA  نشطت فقط عندما تعرضت للصور الحديثة كلياً, و التي لا شبه بينها و بين الصور السابقة. رغم أن بعض المناطق في المخ تفاعلت مع الصور, لكن كان تفاعلاً منخفضاً كلما بدت الصور مألوفة أكثر. شرحها الدكتور دوزل :

” ظننا أن المعلومات التي هي أبعد عن المألوف ستبرز كمعلومات مهمة عندما تعرض مع تلك المعلومات المعروفة, المعلومات المألوفة جداً وبالتالي تنشط منطقة المخ الأوسط بنفس القوة التي تنشط بها المعلومات الجديدة كلياً, و لكن هذا ما لم يحصل ,فقط المعلومات الحديثة كلياً هي التي زادت من نشاط منطقة المخ الأوسط”.

وهذا شبيه لما قد يحصل عند تكرار المادة التعليمة أو بطاقات الفلاش (flashcards). فقط المعلومات الحديثة كلياً تبرز ضمن مجموعة المعلومات أو الصور المألوفة .

كيف تحفزنا الحداثة ؟

ربما سمعت بالدوبامين سابقاً, و أثره على المخ. عادة ما يوصف بأنه (الناقل الكيميائي للمكافأة) الذي هو جزء من مركز المكافأة في المخ. إن أحدث الأبحاث تشير أن الأمور الحديثة يتعامل معها المخ بأنها بالفعل تشابه المكافأة , و التي هي أقرب إلى المحفز الذي يبحث عن المكافأة عوضاً عن كونها مكافأة فعلية. الدراسات التي أجريت على الحيوانات, بخصوص تفاعل المخ مع ما هو جديد وجدت ارتفاع في مستوى الدوبامين في وجود ما هو حديث أثناء التجربة. لذا المخ يتفاعل مع ما هو جديد بإفراز الدوبامين مما يحفزنا للبحث عن مكافأة.

قد تتذكر كيف كانت تحفزك المرحلة الجديدة أو العالم الجديد الذي لم يكتشف بعد في ألعاب الفيديو للعب لفترات طويلة, على أمل مكافأة مزيد من النقاط أو فتح مرحلة جديدة. كل مثير جديد سيزودك بتدفق من الحماس للبحث, لأنه يجعلك تتنبئ بالمكافأة. هنا صورة توضيحية للمناطق النشطة في المخ:

qrpnzpduspdgjafcnqqu

يقول د.دوزل عن كيفية تحفيز الأشياء الحديثة لنا:

عندما نرى ما هو جديد, نرى أنه مؤهل لأن يكافئنا بطريقة ما. المؤهل في الأشياء الجديدة تحفزنا لاكتشاف البيئة من أجل المكافأة. المخ يتعلم أن المثير, بمجرد أن يصبح مألوفاً, يصبح غير مقترن بالمكافأة يخسر جميع مؤهلاته. لهذا السبب, فقط الأشياء الجديدة كلياً تنشط منطقة المخ الأوسط و ترفع من مستوى الدوبامين.

ماذا يعني هذا بالنسبة للتعلم

هذا بحق مثير للاهتمام, لكنه مفيد فقط إن أصبح قابل للتطبيق. للأسف التجارب التي أجريت كهذه نادرة على الإنسان, و معظمها أجريت على الحيوانات, رغم أن الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولى. هذا لا يعني عدم استخلاصنا الفائدة من ذلك, بل النتائج تفيد الأشخاص الراغبين بتطوير وسيلة تعلمهم و احتفاظهم بالعلم.

تتذكر كيف أن منطقة الحصين (Hippocampus) مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنطقة SN/VTA؟

وجدت هذه الدراسات التي أجريت على الحيوانات , أن المرونة العصبية لمنطقة الحصين زادت عندما عرضت على مثيرات جديدة أو بيئة مختلفة كلياً و لمدة 15-30 دقيقة.

كما أنه يزيد من المرونة العصبية للمخ, و بالتالي تؤثر على قابليتنا لتعلم مفاهيم و حقائق. إن الحداثة أثبتت قدرتها على تطور الذاكرة عند ممن أجريت عليهم التجربة.

الأبحاث السلوكية المنفصلة أجريت دون الحاجة للماسح الضوئي لاختبار قدرة المتطوع على التذكر لما هو جديد, الصور المألوفة و الغير مألوفة التي درسها المتطوعين و اختبروا بها بعد 20 دقيقة, و من ثم اختبر المتطوعين اليوم الذي يليه.

المتطوعون قاموا بأداء أفضل عندما عرضت المعلومات الجديدة مع المعلومات المألوفة أثناء التعلم. و بعد مدة 20 دقيقة ذاكرة المتطوعين للمعلومات المألوفة ارتفعت بنسبة 19% إذا ما خلطت بمعلومات جديدة أثناء الدروس.

هذه المعلومات قد ترفع أداء الطلاب في كلاً من الاختبارات و الحصص الدراسية وكذلك لأولئك الذين فقدوا الذاكرة أو جزءاً منها. د.دوزل أشار إلى المنافع الطبية المتوقعة من نتائح هذا البحث:

“نأمل أن تكون نتائج هذا البحث لها أثر على العلاج السلوكي للمرضى ضعيفي الذاكرة. الممارسة الحالية من قبل علماء النفس السلوكيين تهدف إلى تحسين الذاكرة عن طريق تعرض الشخص باستمرار للمعلومات, مثلما نفعل عندما نراجع قبل الامتحان. هذه الدراسة وجدت أن المراجعة تكون اكثر فعالية إذا ما أضيفت معلومات جديدة لما تراجع إلى المعلومات القديمة. في الواقع تتعلم بشكل أفضل, بالرغم من أن عقلك ارتبط أيضاً بالمعلومات الجديدة.”

كيف تتعلم أكثر و تطور ذاكرتك

إذا أردنا أن نستخدم نتائج هذا البحث عملياً, يمكنك تحسين استرجاع المعلومات والإتيان بأفكار جديدة و تحتفظ بالمفاهيم عند عملية التعلم, فابدأ بإضافة ما هو جديد, إليك بعض من الاقتراحات لتبدأ:

أضف شيئاً جديداً

في كل مرة تراجع فيها معلومات أو حقائق قديمة سبق أن تعلمتها, أضف كماً قليلاً من المعلومات الجديدة. هذا يجعل المخ يلاحظ المعلومات المألوفة نسبياً بشكل أسهل لأنه عُوِض بمفاهيم جديدة كلياً.

غير محيطك

محيطك بإمكانه توفير كم عملاق من المثيرات الجديدة لمخك. حاول تعويض  المألوف فيما تتعلمه بأن تراجع في مكان مختلف أو غرفة مختلفة. بل حتى تغيير الإضاءة في الغرفة و درجة الحرارة أو التكييف من الممكن أن يحدث فرقاً شاسعاً.

تعلم بعد أن تفعل شيئاً جديداً

استخدم مرونتك العقلية المرتفعة بحكمة, وذلك بأن تخصص وقتاُ للتعلم بعد تعرضك لمثير جديد فوراً. عندما تتقابل مع شخص جديد في المقهى او تكتشف مكان جديد, فإن مخك سيكون منفتحاً لعمل روابط جديدة أثناء و بعد هذه الفترة, لذا من الأفضل استغلال الفرصة.

المصدر

Life Hacker

شارك المقال

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!