البـــيروني

البـــيروني

15 ديسمبر , 2014

بيروني

يُعد القرن الرابع الهجري العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية من حيث التقدم العلمي ؛ فقد تَوَّج العلماء المسلمون العلوم التطبيقية و البحث خلاله بالاكتشافات الرائعة ، خاصة بما اهتدوا إليه في مجال الفيزياء ؛ و ذلك كما في الأصوات ، و قوس قزح ، و الكسوف و الخسوف و الظلال ، بالإضافة إلى مخترعاتهم في علم الحيل .

بينما كان الناس في أوروبا يحاولون جاهدين طرد الغول الذي ابتلع القمر بالصراخ والعويل , كان العالم المسلم البيروني يوضح أن خسوف القمر يحدث عندما يحجب كوكب الأرض وصول ضوء الشمس إلى القمر .

إنه أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي ، الذي ولد في بلدة بيرون ، إحدى ضواحي مدينة (كاث) عاصمة الدولة الخوارزمية ، سنة (362هـ/ 963م) ، و الذي اطلع على فلسفة اليونانيين و الهنود ، و علت شهرته ، و ارتفعت منزلته عند ملوك عصره.

يُعتبر البيروني أحد ألمع الوجوه التي يمكن أن تعتز بها الثقافة الإسلامية فقد اشتغل في الأساس بعلوم الفلك وترجع ملاحظاته إلى الفترة ما بين 380/990هـ  و 1021/412م و كان أيضاً من علماء الرياضيات و له كتب في التاريخ و علم المعادن و الصيدلة و فقه اللغة و الفيزياء و الفلسفة و الشعر و الادب و علم الاجتماع , و قد ظل يتراسل طوال حياته مع أعظم المفكرين و العلماء في زمنه : الفيلسوف ابن سينا و علماء الفلك الخوجندي وأ بو الوفاء البوزجاني و أستاذه أبو نصر.

كان لمؤلفاته اليد الطُّولى في صناعة أمجاد عصر النهضة و الثورة الصناعية في العالم الغربي  , فقد حدَّد بدقة خطوط الطول و خطوط العرض , و ناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها  , و سبق في ذلك جاليليو و كوبرنيكوس  , كما وضع قاعدة حسابية لتسطيح الكرة ،أي نقل الخطوط و الخرائط من الكرة إلى سطح مسطح و بالعكس  , و بهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية , و كان أول من وثق دوران الأرض حول محورها , كما قرر أن القمر جسم معتم لا يضيء بذاته و إنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه ، وكان البيروني يشرح كل ذلك بوضوح تام  , و دقة متناهية في تعبيرات سهلة لا تعقيد فيها ولا إلتواء ، و تحدث عن ظاهرة المد و الجزر في البحار و الأنهار و عزاهما إلى التغير الدوري لوجه القمر  , و في ظاهرة الجاذبية كان البيروني مع ابن الحائك ،من الرواد الذين قالوا بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها ،و قد تناول ذلك في آراء بثَّها في كتب مختلفة , و لكنَّ أشهر آرائه في ذلك ضمَّنها كتابه القانون المسعودي، إضافة إلى الاكتشافات الأخرى العديدة في عدة مجالات.

و يعتبر كتاب القانون المسعودي للبيروني موسوعة كاملة ومكتملة في علم الفلك في العصور الوسطى , فهو يمثل أنجح المحاولات لتصحيح و تنقيح كتاب المجسطي لبطليموس، وكانت معلوماته مبنية على ثلاثة قرون من البحث في البلاد الإسلامية.

ويقال بأن ناسا أطلقت اسم العالم المسلم البيروني على فوهة من فوهات سطح القمر عام 1390 للهجرة، تكريما لإسهاماته القيمة في علم الفلك.

و أيضاً بحث أبو الريحان البيروني في هيئة الأرض فقاس محيط الأرض و استخرج حساب نصف قطر الأرض بمعادلة البيروني و كتب في مواضيع علم الطبقات و علم الحفريات و درس المعادن و يعتبر كتابه ( الجماهر في معرفة الجواهر ) من الكتب القيمة في هذا المجال ،و قد أوجد الوزن النوعي بدقة لعدد من المعادن التي قيست أوزانها النوعية بعد تقدم الأجهزة العلمية الحديثة و قد وُجد أن نتائج بعضها مقاربة جداً و أحياناً مطابقة للقيم التي أوجدها البيروني رغم تأخر الأجهزة العلميةفي حينه.

و بعد إنجازات مبهرة و حياة علمية حافلة بالعطاء و في رجب سنة 440هـ / 1048 متوفي البيروني رحمه الله , و في خبر وفاته يحكي أبو الحسن علي بن عيسى فيقول: دخلت على أبي الريحان و هو يجود بنفسه ، فقال لي: كيف قلتَ لي يومًا في حساب الجدّات الفاسدة؟ “مسألة في الميراث” , فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال: يا هذا ، أُودِّع الدنيا و أنا عالم بهذه المسألة ، أَلاَ يكون خيرًا من أن أخلِّيها و أنا جاهل بها؟ فأعدتُ ذلك عليه و حفظ  , و علّمني ما وعد ,  و خرجت من عنده , و أنا في الطريق سمعت الصراخ عليه.

المصادر:

مكتبة قطر الوطنية

قصة الإسلام

شارك المقال

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!