وأخيرًا حُل لغز دوائر الجن الواقعة في صحراء ناميبيا

وأخيرًا حُل لغز دوائر الجن الواقعة في صحراء ناميبيا

1 ديسمبر , 2022

ترجم بواسطة:

عبير العبيد

دقق بواسطة:

زينب محمد

تمتد على مساحة نائية في صحراء ناميبيا أعشاب خشنة تنمو في منطقة شحيحة المطر. إن نمو أعشاب كثيرة في هذه البيئة مذهل وغامض أيضًا، إذ تنتشر في هذه الأراضي العشبية ملايين الدوائر الغريبة الخالية من الأعشاب والغطاء النباتي في شكل نمط شبكي، وتسمى دوائر الجن.

يرى مؤلف الدراسة أن هذه المنطقة مرتبة جغرافيًا بصورة استثنائية، حيث توجد على مسافة 80 – 140 كيلو متر في الداخل بعيدًا عن ساحل ناميبيا. تُرى هذه المنطقة من الدوائر القاحلة في أراضي عشبية من مسافة متر. يبلغ حجم دوائر الجن عادةً حوالي 2 – 10 أمتار، وتبعد عن بعضها بعض بمسافة تصل إلى 10 أمتار.

أحرز العلماء تقدمًا منقطع النظير لإزالة الغموض عن دوائر الجن في ناميبيا بوضع فرضيتين شهيرتين، أولهما أن دوائر الجن تشكلت بسبب تغذي النمل الأبيض على الجذور. أما الفرضية الثانية فتقترح أن الأعشاب منظمة ذاتيًا لتستفيد بأقصى ما يمكن من المياه الموجودة.

وقد صادقت الدراسات على الفرضيتين حتى أن بعض البحوث تشير إلى أن كلا السببين، النمل الأبيض والتنظيم الذاتي، هما وراء تكون دوائر الجن. لكن هذه التفسيرات تعقدت أكثر بعد أن أُعلن عن وجود مثل هذه الدوائر في أستراليا في عام 2016، بدون وجود رابط بينها وبين النمل الأبيض. لكن البحوث مؤخرًا أكدت على التنظيم الذاتي دون أن تستبعد النمل الأبيض، حيث تستفيد الأعشاب التي تشكل هذه الدوائر من كل يمكن من المطر النادر.

في عام 2020، قاد ستيفن جيتزن بحثًا أعطى مصداقية لسيناريو ندرة المياه الذي وصف بأنه مثال على نمط تورينج. يعمل ستفين جيتزن في قسم نمذجة النظام البيئي التابع لجامعة جوتنجن في ألمانيا. وقد عاد جيتزن وفريق من الباحثين إلى ناميبيا خلال آخر دراسة أجروها على أمل العثور على أدلة، وقد أجروا البحوث على هذه الدوائر في عشر مناطق في صحراء ناميبيا.

تشح الأمطار في هذه المنطقة. وحين تهطل تنمو الأعشاب أحيانًا داخل هذه الدوائر، لكنها لا تلبث إلا أن تموت بسرعة، بينما تعيش تلك التي تنمو بين الدوائر كما لاحظ العلماء. تابع جيتزن وزملائه أمطار متفرقة في عشر مناطق، واختبروا الأعشاب، وجذورها، وبراعمها، وأي جذور خربة قد يكون النمل الأبيض عثا فيها.

وقد بحثوا منذ بداية فصل الجفاف عام 2020 حتى نهاية الفصل الممطر عام 2022 في الظروف المحيطة بالأعشاب الميتة بعد نزول المطر، ووضعوا مستشعرات رطوبة التربة داخل الدوائر وحولها لتسجيل البيانات لفترات مدتها نصف ساعة.

وجدت الدراسة أن قلب الدوائر نمى بشكل خفيف بعد هطول المطر بعشرة أيام، وما تبرعم من هذه الاعشاب مات فورًا، وبعد عشرين يوم كانت كل الأعشاب داخل الدائرة ميتة، بينما تلك التي في محيطها لا تزال خضراء لينة.

طول جذور الأعشاب الميتة داخل الدائرة نفس طول تلك التي في الأطراف، وحتى أطول منها، وهذا قد يعني أن النباتات تعتمد تمامًا على نمو جذورها لتبحث عن الماء. أفاد الباحثون أن لا وجود لأدلة على أن النمل الأبيض يتغذى على الجذور.

أوضح جيتزن: “إن عدم وجود أعشاب داخل الدائرة لا يمكن تفسيره بنشاط النمل الأبيض، إذ لا يوجد كتلة حيوية تتغذى منها هذه الحشرات. لكن المهم أنه بإمكاننا أن نبرهن على أن النمل الأبيض ليس السبب، لأن الأعشاب تموت فورًا بعد نزول المطر بدون أي أثر على مخلوقات تتغذى على الجذور”.

أفاد الباحثون أن مستشعرات التربة تكشف عن تراجع بطيء في رطوبة التربة داخل وخارج الدوائر بعد الأمطار الأولى، حين تكون الاعشاب لم تقوى بعد. ما أن تصبح الأعشاب متينة تتلاشى رطوبة التربة بسرعة في كل مكان حتى داخل دوائر الجن الخالية من الأعشاب التي تمتص الماء.

يقول جيتزن: “دائمًا ما يتبخر الماء من الأعشاب وتفقد الماء في تلك الأجواء الحارة جدًا في صحراء ناميبيا. وتقوم الأعشاب بتكوين فراغات رطبة حول جذورها لتمتص الجذور الماء”.

ويضيف: “ما حصدناه من نتائج تتفق كليًا مع ما وجده الباحثون الذين أثبتوا أن الماء في التربة ينتشر أفقيًا بسرعة في التراب وعلى مسافات واسعة تصل إلى 7 أمتار”.

كتب الباحثون أن هذه الدوائر مثال مدهش على الهيدرولوجيا الإيكولوجية، إذ تصبح الدوائر القاحلة مخزونًا يحفظ الأعشاب التي تنبت على الأطراف، بينما أشار جيتزن إلى نتائج أخرى من البحث، منها أن التنظيم الذاتي يحمي النباتات من الجفاف، وهي مشكلة تزداد سوءًا في بعض المناطق بسبب التغير المناخي.

يقول جيتزن: “تعمل الأعشاب بتكونها على هذا النمط المتين من التضاريس، أي الدوائر المتساوية في التباعد، وكأنها مهندس النظم الإيكولوجية، وتستفيد مباشرةً من المياه التي توفرها الفراغات في الغطاء النباتي. نحن نعرف في الواقع بنيات نباتية منظمة ذاتيًا في أماكن أخرى جافة وقاسية في العالم، وفي كل هذه المناطق لا تستطيع النباتات الصمود إلا حين تنمو بتكوينات هندسية مشابهة”.

المصدر: https://www.sciencealert.com

ترجمة: عبير العبيد

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!