هل يمكن استخدام فيتامين د في علاج الاكتئاب، وتخفيف أعراضه؟

هل يمكن استخدام فيتامين د في علاج الاكتئاب، وتخفيف أعراضه؟

30 نوفمبر , 2022

ترجم بواسطة:

شيماء مجدي

دقق بواسطة:

زينب محمد

يهتم العلم منذ قرون بالبحث والمعرفة أكثرعن فيتامين د. فكلما أُجريت أبحاث أكثرعنه؛ زادت أهميته بسبب فوائده العديدة. فبدأت قصته منذ أوائل القرن السابع عشر، عندما لوحِظ إصابة عدد كبير من الأطفال في أوروبا بمرض الكُساح، كذلك عانى الكثير من البالغين من مرض تلين العظام. بالتأكيد في بداية الأمر لم يكن هناك أي معرفة بالسبب، ولا بفيتامين د.

فنتيجةً للثورة الصناعية في أوروبا الغربية؛ ازداد تلوُّث الهواء بسبب احتراق الوقود الحفري والفحم وتصاعُد الغازات؛ مما أدى إلى تقليل كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تصل للأرض وقلة التعرُّض للشمس؛ وبالتالي انخفاض مستويات فيتامين د لدى الإنسان؛ مما سبّب انتشار تلك الأمراض.

أهمية فيتامين د

تكمُن شُهرة فيتامين د في دوره الهام في تكوين العظام. فهو يُعزِّز امتصاص الكالسيوم من الأمعاء، بالإضافة إلى الحفاظ على التوازُن بين مستوى الكالسيوم والفوسفات في الدم من أجل التكوين السليم للعظام. وأيضًا ذلك الفيتامين له أدوار أخرى في الجسم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقلل من الالتهابات، وينظِّم نمو الخلايا، وله دور في تعزيز المناعة، والحفاظ على الصحة العضلية العصبية، وأيض الجلوكوز (التمثيل الغذائي). بالإضافة إلى دوره في تنظيم وتعديل عمل جينات مسؤولة عن تكوين بروتينات هامة من أجل تجدُّد الخلايا.

كيف نحصل على فيتامين د؟

يوجد نوعان من فيتامين د، النوع الأول من مصدر نباتي ويُعرَف بإرغوكالسيفيرول (فيتامين د2)، والآخر من مصدر حيواني ويُعرَف بكوليكالسيفيرول (فيتامين د3). يتواجد ذلك الفيتامين في عدد قليل من الأطعمة. فهو موجود في لحم الأسماك الدهنية مثل سمك التونة، والسالمون، والمكاريل، وكذلك زيوت كبد السمك. وعلى عكس المعروف بين الناس، ففيتامين د كميته صغيرة  في الكبد، وصفار البيض، والجبنة، وهو في صورة (فيتامين د3).  والمشروم به نسبة من إرغوكالسيفيرول.

هل لفيتامين د أدوار أخرى لم نتعرف عليها بعد؟

لننتقل إلى التعرُّف على استخدام جديد لفيتامين د. بحث العلماء كثيرًا ليجدوا صلة بين ذلك الفيتامين وبين الأمراض النفسية. فكَثرت الأبحاث عن علاقته بالاكتئاب. نشرت مستشفى ماساتشوستس العام بريجام بحث في عام 2020، تنفي فيه وجود علاقة بين فيتامين د والحماية من الإصابة بالاكتئاب.

بالإضافة إلى أبحاث أُخرى نُشِرت قبل عام 2020 تشير إلى نفس الموضوع. لكن في أغسطس 2022، نشرت جامعة شرق فنلندا تحليل تلوي (Meta analysis) –وهو إجراء إحصائي قائم على دمج البيانات النوعية والكمية بهدف الوصول إلى استنتاجات إحصائية دقيقة عن الدراسات خصوصًا ذات النتائج المتداخلة. يشمل ذلك التحليل دراسات من كل أنحاء العالم. وأجراه فريق عالمي من الباحثين.

تتضمن نتيجة ذلك البحث أن فيتامين د يمكنه تخفيف أعراض الاكتئاب لدى البالغين. وتلك النتيجة عكس الكثير من الأبحاث لذا وجب الإلمام بالموضوع من أكثر من جانب، وتوضيح نتائج تلك الأبحاث باختصار.   

نبذة مختصرة عن الاكتئاب

طبقًا لما أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 2008 عنه، فالاكتئاب هو السبب الرئيسي للإعاقة، والعجز عن ممارسة الحياة بصورة طبيعية، ذلك على مستوى العالم. ويسبب وفاة 225 مليون إنسان كل عام في الولايات المتحدة. يتضمن علاجه الأدوية المضادة للاكتئاب، والعلاج النفسي ويكون بالتحدُّث مع طبيب أو معالِج نفسي.

تكمن مشكلة علاجه وأي مرض نفسي في عدم المواظبة على العلاج، فحوالي 42.4% من المرضى يتوقفون عن تناول الدواء خلال 30 يوم من بدايته، وينقطع أكثر من نصف المرضى عن الدواء خلال 60 يوم من بداية العلاج. لذلك اضطر العلماء إلى البحث عن عوامل أخري يمكن استهدافها لعلاج الاكتئاب، وكانت التغذية والمكملات الغذائية من ضمن تلك العوامل. فنُشِرت دراسة عام 2007 تشير إلى أن فيتامين د يمكنه أن يقلل من الاكتئاب، وأمراض نفسية أخرى لكن بجرعات عالية.

سعي العلماء لمعرفة العلاقة بين فيتامين د والأمراض النفسية

يحاول الباحثون التوصُّل لتأثير نقص فيتامين د على الصحة النفسية. ففي عام 2004 أُجري بحثٌ، ولوحِظ أن تناول 2000 وحدة دولية أو أكثر من فيتامين د في العام الأول من الحياة؛ يقلل من نسبة حدوث الفصام لدى الذكور. على الرغم من أن تلك الدراسة تضمنت عدد كبير من المشاركين فإن عدد مرضى الفصام كان ضئيل جدًأ، بالإضافة إلى أن التعرُّض لفيتامين د، يعتمد على الأم في المرحلة الأولى من الحياة؛ وكانت هذه عيوب تلك الدراسة.

وجدت دراسة أخرى أن مرضى الزهايمر، لديهم نقص غير طبيعي في مستوى فيتامين د. ومؤخرًا في عام 2008، أثبتت دراسة ضمَّت عددًا كبيرًا من المشاركين أن هناك علاقة بين الاكتئاب وشدته وانخفاض مستوى فيتامين د في الدم.

لم يصل العلم بعد للكيفية التي تربط بين نقص فيتامين د، والأمراض النفسية. لكن وجدوا أن هناك مستقبلات له على الوطاء ما تحت المهاد (Hypothalamus) يمكن أن يكون له دورًا مهمًا في الوظائف العصبية الصماوية (Neuroendocrine). وأثبت بحث عام 2003 أُجري على الجرذان إن نقص فيتامين د عند الأم يؤثر بشكل سلبي على تطور، ونمو مخ الجنين. لكن لابد من إجراء أبحاث أكثر لإثبات العلاقة بشكل أكيد.

استخدام فيتامين د لتحسين الحالة المزاجية

لا شك أن استخدام ذلك الفيتامين لتقليل أعراض الاكتئاب، يبعث ببعض الأمل للمرضى الذين يخافون استخدام الأدوية. ونتيجة لذلك اتجه العلماء أكثر لإجراء دراسات تثبت فعاليته في مرضى الفصام والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية. لكن لسوء الحظ لا يوجد إثبات فعلي لهذا الأمر. فكلها أبحاث منها يثبت تأثير فيتامين د، وعلاقته بالأمراض النفسية، ومنها ينفي كل ما سبق.

فلنأخذ لمحة بسيطة عن تلك الدراسات. في عام 2003 شاركت 250 سيدة سليمة في دراسة، وكنّ يتناولن 400 وحدة دولية من فيتامين د أو علاج وهمي (أي دواء غير الدواء الخاضع للدراسة) والتوزيع كان عشوائيًا، ذلك لمدة عام. ولكن للأسف كانت النتيجة هي عدم حدوث تغيير في الحالة المزاجية في كلا المجموعتين. وكان التفسير أن جرعة فيتامين د قليلة.

ثم أُجريت عام 2004 تجربة عشوائية تفحص تأثير فيتامين د على الأصحاء. تلقَّت مجموعة 600 وحدة دولية منه، والمجموعة الأخرى تلقَّت 4000 وحدة دولية لمدة 3 شهور. وكانت النتيجة إيجابية جدًا؛ فكان هناك تحسُّن ملحوظ في كلا المجموعتين.

بعدها بأربع سنوات أقام علماء تجربة سريرية، شارك فيها البالغون الذين يعانون من السمنة المفرطة. كانوا يتناولون 20000 وحدة دولية من فيتامين د3 مرتين بالأسبوع، ومجموعة أخرى كانت تأخذ مرة بالأسبوع، ومجموعة ثالثة تأخذ علاج وهمي ذلك لمدة عام. وجدت التجربة أن المجموعة الأولى والمجموعة الثانية تحسَّنت حالة الاكتئاب لديهم.

من هم الأشخاص الأكثر عُرضة لنقص فيتامين د؟

إن فئة الأشخاص الأكثر عرضة لنقص فيتامين د هم نفسهم الأكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب، وتشمل كبار السن، والأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة، ومن يعانون من الأمراض المزمنة مثل داء السكري.

بعد أن قدّمت خلاصة للدراسات التي أُجريت على فيتامين د، ونتائجها، لابد من القول بأن ذلك الفيتامين يُعد هبة من الله لنا. ففوائده لاتُعَد ولا تُحصى سواء لتقليل اضطرابات الجهاز الهضمي، والوقاية من مرض التصلب المتعدد، وتنظيم مستويات الإنسولين عند مرضى داء السكري، وتعزيز الخصوبة لدى الرجال، وغيرها من الاستخدامات التي سيكشفها لنا العلم في المستقبل.

العلاقة بين فيتامين د والاكتئاب، وتقليل حدته وأعراضه ما زالت تحت البحث، ولم يؤكَّد أي شئ بعد. لكن يجب الاهتمام بالحصول على حاجتنا منه سواء بالتعرُّض للشمس، أو تناول الأطعمة الغنية به، أو الحصول عليه من المكملات الغذائية، لعل يكون ذلك سبب لتحسُّن الحالة النفسية.

المصادر

بقلم: د.شيماء مجدي

لينكد إن: shima-magdy

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!