فوز عالم وراثة بجائزة نوبل عن دراساته التي تتناول أشباه البشر المنقرضين

فوز عالم وراثة بجائزة نوبل عن دراساته التي تتناول أشباه البشر المنقرضين

27 أكتوبر , 2022

ترجم بواسطة:

ياسمين العزب

دقق بواسطة:

زينب محمد

فاز العالم سفانتي بابو بجائزة نوبل للطب وعلم وظائف الأعضاء لعام 2022، لدراساته حول الحمض النووي لأشباه البشر المنقرضين.

 فاز سفانتي بابو بجائزة نوبل للطب وعلم وظائف الأعضاء لهذا العام، وهو متخصص في علم الوراثة وعلم الإنسانيات التطوري لأبحاثه الرائدة حول الحمض النووي للإنسان البدائي وأشباه البشر المنقرضين.

كان لاكتشافاته الرائعة (التي تشمل تعريف الإنسان البدائي ومجموعة متنوعة غير معروفة سابقًا من البشر والذين عاشوا جنبًا إلى جنب مع الإنسان الحديث منذ عشرات الآلاف من السنين) تأثير ثوري على فهمنا للتطور البشري.

قصة انتشار الإنسان الحديث في جميع أنحاء الكوكب واختراع ثقافات معقدة باستخدام الفن والتكنولوجيا محفورة في جيناتنا. يعتبر معظم الحمض النووي للسلالة البشرية المعاصرة فريد لا مثيل له، ولكن هناك تسلسلات جينية محددة مشتركة مع إنسان النياندرتال (الإنسان البدائي) وغيره من أشباه البشر الأوائل. لذلك فربما يكون من المهم فهم اختلافاتنا الجينية لمعرفة ما الذي يميزنا كبشر.

نظرًا للطبيعة الهشة للمادة الجينية، كان معظم الحمض النووي المُكتشف في العظام القديمة في حالة متدهورة أو مُعدل كيميائيًا أو متأثر بالتلوث.

 وبعد سنوات عديدة من المجهود المُضني، استطاع بابو تطوير سلسلة من التقنيات الحديثة التي جعلت من الممكن استخراج واستنساخ وقراءة الحمض النووي لإعادة بناء المحتوى الجيني الأصلي.  واستطاع من خلال هذه العملية تأسيس نظام علمي حديث لعلم الأحياء القديمة. 

قدم بابو وزملائه سلسلة من الاكتشافات البارزة التي تضمنت التسلسل الجيني الكامل للإنسان البدائي خلال أقل من عِقدٍ من نشر أول جين بشري واكتشاف سلالة جديدة من الإنسان القديم والتي تُدعى الدينيسوفان  وهم أشقاء لسلالة النياندرتال.

أوضحت اكتشافاتهم أن الإنسان المعاصر يجمع بدرجة كبيرة بين سلالات النياندرتال والدينيسوفان، حيث تتواجد بعض التغيرات الوراثية المُكتشفة فيهم بصورة أكبر في فئات معينة من السكان المعاصرين.  

كما ساعدت اكتشافاتهم في تفسير بعض الصفات البشرية على سبيل المثال، لماذا بعض البشر يحاربون بعض الفيروسات بصورة أفضل أو لماذا يتكيف البعض بشكل أفضل مع العيش على ارتفاعات عالية.

كما ذكر كلٌ من جونيلا كارلسون وآنا فيديل، الأستاذان في معهد كارولينسكا في مقال رئيسي عن جائزة نوبل: “أن اكتشافات بابو كان لها تأثير عميق على فهم تاريخنا التطوري، كما أن لديه أبحاث تعزز هذا المجال”. 

لماذا تعتبر دراسة الحمض النووي القديم من الدراسات الصعبة؟

لأن معظم الحمض النووي المُستخرج من الرفات القديمة تكون متحللة لأجزاء صغيرة. فالحمض النووي شديد الهشاشة ويتأثر بشدة بارتفاع درجات الحرارة ونسبة حمضية التربة والظروف الصعبة الأخرى.

تسبب الميكروبات مشكلة إضافية فحتى الباحثون يمكنهم تلويث الحفريات التي يتعاملون معها بحمضهم النووي؛ جاعلين من الصعوبة تحديد ما إذا كانت المعلومات الجينية المستخلصة من الرفات هي بالفعل قديمة أم أنها تعود لمصدر معاصر.

تجميع الأجزاء الجينية القديمة معًا مثل محاولة تجميع أجزاء أُحجية مُعقدة مع وجود أجزاء مفقودة ومُدمرة بالإضافة لعدم معرفة الصورة النهائية لها.

كيف أحدث سفانتي بابو ثورة في هذا المجال؟

قبل اكتشافات بابو وزملائه، كانت معرفتنا بأشباه البشر القدامى وتطورنا البشري يعتمد على تحليل العظام والآثار الموجودة في جميع أنحاء العالم، مثل عظام سلالة النياندرتال والتي اُكتشفت لأول مرة في عام 1856. كما أوضح ويديل خلال حفل توزيع جائزة نوبل أن “تحليل العظام والرفات القديمة وحده لم يكن كافيًا للإجابة عن كثير من التساؤلات”. 

ولكن من خلال استخدام تقنيات التسلسل الحديثة والتحليل الحسابي المتقدم وبمساعدة مجموعة من المساعدين الدوليين، استطاع بابو تحديد تسلسل الحمض النووي من عظام عمرها 40000 سنة. في عام 2010، نشر بابو ومجموعته البحثية أول تسلسل جيني كامل لسلالة النياندرتال وهو إنجاز كان يُعتبر يوماً ما أمراً مستحيلًا.

أكمل اكتشاف الجين الوراثي للنياندرتال الحلقة المفقودة في تاريخ أسلافنا القدماء. على سبيل المثال، كشفت النتائج التي توصلوا إليها أنه كان هناك عبور جيني بين سلالة النياندرتال والجنس البشري وهذا يعني أن السلالتين اختلطا في وقت ما ونتج أطفال عن هذا الاختلاط. 

متى انفصل الجنس البشري المعاصر عن سلالتي النياندرتال والدينيسوفان؟

أشارت تقديرات مجموعة بابو البحثية عن طريق مقارنة جينات هذه السلالات المختلفة، بأن الجنس البشري المعاصر انفصل عن سلالة الإنسان البدائي منذ حوالي 550,000- 760,000 سنة وأن سلالات النياندرتال والدينيسوفان انقسمت إلى مجموعات مختلفة منذ حوالي 380,000-470,000 سنة.

لماذا انقرضت سلالة النياندرتال؟

انقرضت سلالة النياندرتال، التي تُعتبر أقرب شبيه بشري للجنس البشري المعاصر منذ حوالي 30,000-40,000 سنة. ومازالت أسباب اختفاء سلالات النياندرتال والدينيسوفان لغزًا كبيرًا، بينما استطاع الجنس البشري الانتشار والاستيلاء على الكوكب. هناك عدة نظريات تسعى لتفسير ذلك والتي تعتمد على التحليل الجيني لهذه السلالات الثلاثة. أهم هذه النظريات أن الجنس البشري أنتج عدد أكبر من السكان فاندمجت سلالة النياندرتال فيهم.  

ربما تكون الاختلافات الثقافية والإدراكية أو حتى القدرة على الابتكار سببًا محتملًا لاختفاء سلالة النياندرتال. وأشار توماس ببرلمان، الأمين العام لجمعية نوبل أثناء فقرة الأسئلة المصاحبة لإعلان جائزة نوبل إلى: “أنه من الصعب تحديد الاختلافات المسببة لاختفاء سلالة النياندرتال ولكننا يمكن أن نؤكد على وجودها وأن الفضل في تعينها وتحديدها يعود لمجهودات سفانتي بابو“.

احتوت الحفريات المُكتشفة في الجانب الشرقي من كهف دينيسوفا بسيبيريا على كنوز أثرية (الصورة العلوية). كانت قطعة من العظم اكتشاف مهم من هذا الكهف (الصورة السفلية). أوضح التحليل الجيني الذي قام به بابو لهذه العظمة، أنها ترجع إلى ابنة لأم من سلالة النياندرتال وأب من سلالة الدينيسوفان.

كيف اُكتشفت سلالة الدينيسوفان؟

اكتشف علماء الآثار في عام 2008 عظمة إصبع في كهف دينيسوفا في جبال ألتاي جنوب سيبيريا. استخرج بابو وفريقه البحثي حمض نووي للميتوكوندريا من هذه العظمة وقارنه مع تسلل الحمض النووي الميتوكوندري المأخوذ من كل السلالات التالية: سلالة النياندرتال والإنسان المعاصر وإنسان بدائي من العصر الجليدي وقردة البابون والشمبانزي.

واكتشفوا أن الحمض النووي الميتوكوندري المستخرج من عظمة الإصبع يختلف عن الحمض النووي الخاص بالإنسان المعاصر في حوالي 22 نوكليوتيد (وحدة تكوين شفرة الحمض النووي)، بينما يختلف عن الحمض النووي الخاص بالشمبانزي في حوالي 1,462 نوكليوتيد.

 في عام 2010، أكد التحليل الوراثي العرقي (وهو اختبار يوضح مدى تأثير التغيرات الجينية على تطور السلالات أو المجموعات المختلفة) على اكتشاف سلالة جديدة من الإنسان البدائي وسُميت باالدينيسوفان تيمنًا باسم الكهف.  يبدو أن أشباه البشر الدينيسوفان محل الدراسة، عاشوا بالقرب من سلالة النياندرتال والإنسان المعاصر.

بمَ سيفيدنا علم وظائف الأعضاء الحديث في معرفة التغيرات الجينية القديمة؟

نحن الآن نعلم أنه كانت هناك فترة في التاريخ حيث اختلط الجنس البشري مع سلالات النياندرتال والدينيسوفان، وظهور آثار للمتغيرات الجينية القديمة التي تتواجد اليوم بمعدل كبيرة في مجموعات معينة من الناس حول العالم دليل على حدوث تزاوج بينهم.

يبدو أن هذه المتغيرات استمرت داخل هذه المجموعات بصفة أساسية لأنها توفر ميزة البقاء على قيد الحياة للأشخاص الذين يواجهون عوامل بيئية قاسية وعوامل مسببة للأمراض. 

على سبيل المثال، جين (EPAS1) والذي يعود لسلالة الدينيسوفان المُكتشف في سكان التبت المعاصرين، حيث يساعدهم على التكيف على البقاء على ارتفاعات عالية. مجموعة أخرى من الجينات التي تعود إلى الإنسان البدائي المنقرض والتي يُعتقد أنها تشارك في ردود الفعل التحسسية والتعرف على الميكروبات المُسببة للأمراض. 

وبالرغم من ذلك، ليست كل الجينات التي ورثناها من أسلافنا القدماء نافعة.ف في عام 2020، اكتشف بابو وفريقه البحثي أن الأشخاص الذين يمتلكون بعض التغيرات الجينية القديمة، هم أكثر عُرضة للفشل الرئوي أثناء الإصابة بعدوى كوفيد-19 المعروفة بكورونا (فيروس كورونا المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة).

 ولكن في عام 2021، اكتشفوا جينات أخرى موروثة من سلالة النياندرتال والتي تتعلق بالحماية من الإصابة بعدوى كوفيد-19 الشديدة. ربما استطاعت هذه المتغيرات الجينية الاستمرار بسبب عدم توفر الظروف التي تلحق بها الضرر بصورة مستمرة.

الفائزون بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب في السنوات الأخيرة؟

المصدر: https://www.quantamagazine.org

ترجمة: ياسمين العزب

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!