جزيئات الذهب النانوية آمال واعدة لعلاج الأورام السرطانية

جزيئات الذهب النانوية آمال واعدة لعلاج الأورام السرطانية

30 يونيو , 2022

اعتاد الإنسان منذ اكتشاف المعادن النفيسة على استخدامها للزينة واتخذها مصدرًا للتفاخر ورمزًا للثراء، لكن هل تخيّلت يومًا أن تسري أحدها في جسمك وتكون مصدرًا لعلاج الأمراض به؟ 

منذ فترة ليست ببعيدة كان هذا دربًا من الخيال، لكنه اليوم أصبح أمرًا واقعًا، ويرجع الفضل في هذا للعلم، الذي لا يترك بابًا للبحث عن علاج الإنسان من أمراضه إلا وقد طرقه. 

 العلاجات التقليدية بين المنافع والأضرار

توصّل العلم منذ فترات طويلة لعلاجات متعددة لمرض السرطان، ولكن النتائج في الغالب كانت مخيبة للآمال، وقد أُثبت فشل غالبية هذه العلاجات مؤخرًا في إنجاح معادلة العلاج بدون آثار جانبية، فمعظمها له العديد من الآثار الجانبية، التي من أخطرها تدمير الخلايا السليمة المجاورة للخلايا السرطانية.

لذلك لجأ العلماء لطرق أبواب الطبيعة من حولنا والبحث فيها عن علاج فعّال وآمن لهذا المرض الخبيث، فهيا بنا نتعرف أكثر عن تلك التقنية الجديدة. 

ما هي تقنية جزيئات الذهب النانوية؟ 

تعتمد هذه التقنية على استخدام جزيئات ذهب متناهية الصغر يتراوح حجمها تقريبًا من 1-100 نانومتر، وتتميز هذه الجزيئات بقدرتها العالية على امتصاص الطاقة الحرارية والضوئية، ومن ثم استخدام هذه الطاقة لتدمير الخلايا السرطانية، وحديثًا توصل العلماء لتقنيات حديثة يمكن من خلالها تنشيط هذه الجزئيات باستخدام ضوء الليزر لتصل درجة حرارتها 180 درجة مئوية.

الأساس العلمي في هذه التقنية يعتمد على التفاعل بين جزيئات الذهب والخلايا السرطانية واندماجهم سويًا، ويحدث هذا بعدة طرق، منها حدوث تجاذب بين الشحنات الموجبة على سطح جزيئات الذهب والشحنات السالبة في بعض المناطق على غشاء الخلية، مما يسهل دخول جزيئات الذهب داخل الخلايا أو حدوث عملية البلعمة.

  تمتلك جزيئات الذهب النانوية تأثيرات سامة على الخلية السرطانية، مما يؤدي إلى تدمير الحمض النووي الخاص بها والقيام بسلسلة من التأثيرات المميتة للخلية، مثل التدمير الوظيفي للميتوكوندريا أو إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية، مما يؤدي في النهاية إلى تدمير هذه الخلايا.

 ويعد تأثير هذه الجزيئات على الخلايا السرطانية مختلفًا عن تأثيره على الخلايا السليمة، ويرجع ذلك لصغر حجمها ولاختلاف طبيعتها عن الخلايا السليمة، حيث تتميز الخلايا السرطانية بسرعة النمو والانتشار مما تحتاج إلى تكوين أوعية دموية جديدة لتُغذّيها باستمرار، ولكن هذه الأوعية الدموية تختلف في طبيعتها عن الأوعية الدموية الطبيعية، حيث تكون هذه الأوعية أقل تنظيمًا وذات تصريف ليمفاوي ضعيف مما يجعلها أكثر تسريبًا مما يزيد من إمكانية دخول جزيئات الذهب داخلها وتراكمها بنسبة أكبر عن باقي خلايا الجسم.

كيف تُصنع جزيئات الذهب النانوية؟

 تُصنع جزيئات الذهب النانوية بعدة طرق مختلفة، منها الكيميائي والفيزيائي والبيولوجي، لكن تُعد الطرق البيولوجية أفضل الطرق لتصنيع جزيئات الذهب النانوية، وذلك لأن هذه الطرق تعتمد على استخدام كائنات طبيعية، مثل النباتات والطحالب وبعض الكائنات الدقيقة كالبكتيريا والفطريات، وبالتالي لا  تُسبب آثارًا جانبية كما أنها صديقة للبيئة.

يتيح استخدام الطرق البيولوجية لتصنيع جزيئات الذهب النانوية مجال بحث أوسع، حيث يساعد العلماء على استخدام أنواع متعددة من الموارد البيئية الطبيعية لتصنيع تلك الجزيئات، وبالتالي يعطي آمالًا واسعة في توفير بدائل متعددة من تلك العلاجات.

مميزات جزيئات الذهب النانوية

 توجد عدة معادن يمكن استخدامها لتصنيع الجزيئات النانوية، لكن جزيئات الذهب أثبتت فعاليتها الكبيرة وأصبحت اختيار الباحثين الأول، وذلك لأنها تتميز بعدة خصائص فيزيائية وبيولوجية، فهي تتميز بطبيعتها المستقرة غير السامة ولا تسبب تفاعلات مناعية ولها قدرة عالية على النفاذ والبقاء داخل الخلايا المستهدفة، كما أنها سهلة التصنيع ومتعددة الوظائف بالإضافة إلى خواصها الضوئية المتميزة وحجمها متناهي الصغر.

تطبيقات جزيئات الذهب النانوية العلاجية

نظرًا لخواص جزئيات الذهب النانوية المتعددة، فقد أصبحت اختيار الباحثين الأول في مجالات الأبحاث البيولوجية والدوائية ولها العديد من التطبيقات والاستخدامات في هذه المجالات، مثل:

1- إيصال الأدوية في التطبيقات البيولوجية والطبية

 غالبًا ما تؤدي الطرق التقليدية لتناول الأدوية والعلاجات، مثل الحقن الوريدي أو عن طريق الفم إلى انتشار الدواء في جميع أجزاء الجسم ووصول كمية بسيطة منه إلى الخلايا المستهدفة، لكن استخدام جزيئات الذهب النانوية يزيد من كفاءة إيصال العقاقير الطبية للمناطق المستهدفة، وترجع قدرتها هذه إلى صغر حجمها وسهولة مرورها خلال الشعيرات الدموية، ويمكن تحميل الأدوية المطلوبة عليها بسهولة وإيصالها إلى الخلايا المستهدفة سواء بشكل متخفٍّ أو نشط.

لكن وجد العلماء أن الاستهداف المجهول تكون نتائجه غير فعّالة بدرجة كافية حيث يمكن للجسم مقاومته، نتيجة تَعَرُف الخلايا المناعية على الجزيئات ومعاملتها كجسم غريب، ومن ثم محاولة التخلص منها.

لذلك طوّر العلماء تقنية الاستهداف النشط، حيث يتم ربط بعض الدلالات الحيوية الخاصة بالورم، مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة أو الدهون الشحمية أو الفيتامينات إلى سطح الجزيئات النانوية، حيث تتفاعل هذه المواد مع مستقبلاتها الخاصة على سطح الخلايا السرطانية، مما يُسّهل من حدوث عملية البلعمة وإطلاق الدواء داخل الخلايا السرطانية بشكلٍ فعّال. 

تتناسب مساحة السطح عكسيًا مع حجم الجزيئات، ونظرًا لصغر حجم الجزيئات النانوية، فهي تتميز بمساحة سطح عالية مما يُمَكنها من حمل الأدوية أو الترابط مع أي نوع من الجينات أو أي مادة بيولوجية، وهذا يزيد من ذوبان الأدوية وامتصاصها واستقرارها، كما يُحسِّن من المؤشرات الحركية الدوائية.

لذا يسعى العلماء حاليًا لاستخدام جزيئات الذهب النانوية بشكلٍ مركّب يتضمن قيامها بهدفين في نفس الوقت، وهما حمل الأدوية إلى أماكنها المستهدفة وفي نفس الوقت رفع درجة حرارة الخلايا الخبيثة وتدميرها، مما يرفع من كفاءتها العلاجية ويجعلها مصدر آمال واعدة لعلاج الأورام السرطانية. 

أظهرت كثير من العقاقير المستخدمة لعلاج الأورام السرطانية كفاءة أعلى عند ربطها مع جزيئات الذهب النانوية، ومن أمثلتها: عقار الميثوتريكسات (methotrexate) وعقار الدوكسوروبيسين (doxorubicin)، حيث تحسّنت الكفاءة العلاجية لهذه العقاقير بنسبة كبيرة بعد دمجها مع جزيئات الذهب. 

2- أداة تشخيصية للأورام السرطانية

يُعدّ تشخيص الورم خطوة هامة في الطريق الصحيح للعلاج، لذلك فإن التشخيص الدقيق للورم يؤدي إلى رؤية علاجية منظمة وفعّالة.

تمتلك جزيئات الذهب النانوية خصائص ضوئية فريدة تجعل منها أداة تشخيصية فعّالة لمرض السرطان، وترجع هذه الخصائص الفريدة إلى ما يسمى برنين البلازمون السطحي، وهي عملية يحدث فيها تذبذب لجزيئات الذهب نتيجة الإشعاع، مما يؤدي إلى امتصاص وتشتيت الضوء، ومن ثم استخدامه لتصوير الخلايا أو تدميرها، على حسب الهدف العلاجي.

لذلك فإن استخدام جزيئات الذهب النانوية أعطى العلماء قدرة أعلى على تشخيص الورم وتحديد أبعاده بدقة، ومن ثم التعامل معه بشكل صحيح.

وتُعد تقنية التصوير الضوئي أحد التقنيات الحديثة التي أحدثت تغييرًا كبيرًا في تشخيص الأورام السرطانية، حيث ساعدت الجرّاحين في التعرف على مكان الورم بشكل دقيق، ومن ثم إجراء الجراحة بدقة، وتعتمد هذه التقنية على حقن الأماكن المستهدفة بجزيئات الذهب النانوية التي ترتبط بالخلايا السرطانية تحديدًا وتجعلها تتوهج فتظهر بشكل واضح عن باقي الخلايا السليمة في التصوير، فتمنح الجرّاحين إمكانية استئصالها بشكل دقيق دون المساس بالخلايا السليمة.

3- زيادة كفاءة التقنيات العلاجية القديمة

إن التقنيات العلاجية للسرطان متعددة ومختلفة، لكن معظمها يواجه بعض العقبات، مثل انخفاض نسبة الفعالية أو دقة النتائج. ومن بين هذه التقنيات العلاج الحراري الضوئي، والذي يعتمد على فكرة تحويل الأشعة الكهرومغناطيسية إلى طاقة حرارية واستخدامها لتدمير الخلايا السرطانية، وتعتمد كمية الحرارة المنبعثة على نوع المادة المستخدمة، كما أظهرت الدراسات الحديثة زيادة فعالية العلاج الحراري الضوئي عند دمجه مع الجزيئات الصغيرة، مثل الجزيئات النانوية التي تكثّف الضوء وتحوله لحرارة تدمّر الخلايا السرطانية.

وتُعد أيضًا تقنية العلاج الضوئي الحركي من التقنيات العلاجية التي أظهرت تحسّنًا في فاعليتها عند دمجها مع جزيئات الذهب النانوية، ولكن أحد العقبات التي كانت تواجهها هي عدم امتصاص المواد الحساسة للضوء على نحوٍ جيد من قِبل الخلايا السرطانية، ولكنها أظهرت تحسّنًا في نسبة امتصاصها من قبل الخلايا السرطانية المستهدفة بعد دمجها بجزيئات الذهب النانوية، مما زاد من كفاءة هذه التقنية في العلاج.

تحسين كفاءة جزيئات الذهب النانوية

عند دخول جزيئات الذهب النانوية داخل الجسم، ترتبط ببعض البروتينات الموجودة في بيئة الجسم الفسيولوجية، وهذا الترابط يؤدي إلى تكوين مُركّب معقد يمكن للخلايا المناعية مهاجمته وفقًا لنوع البروتين المرتبط بها، مما قد يؤثر على مسار الجزيئات النانوية ومصيرها داخل الجسم.

للتغلب على هذه المشكلة قام العلماء بابتكار تقنية لإخفاء الجزيئات النانوية عن الخلايا المناعية في الجسم، تعتمد في جوهرها على تغطية سطح الجزيئات النانوية بمادة تسمى بولي إيثيلين جلايكول.

أدت تغطية الجزيئات النانوية بمادة البولي إيثيلين جلايكول إلى خفض نسبة التعرف عليها بواسطة نظام الخلايا البلعمية، مما أدى إلى سهولة دخولها إلى الخلايا السرطانية وتراكمها داخلها، وبالتالي زيادة قدرتها في القضاء عليها.

مستقبل جزيئات الذهب النانوية العلاجي 

تحدثنا عن الخصائص الفريدة لجزيئات الذهب النانوية ومستقبلها الواعد كعلاجٍ حديث للأورام السرطانية، لكن يجب أن ندرك أن المجتمع العلمي ما زال في حاجة إلى مزيد من الأبحاث والتجارب التأكيدية لفهم أوسع وأدق لجميع جوانب هذه التقنية الجديدة لتطبيقها بشكل دقيق وآمن.

وفي النهاية، يُعد جسم الإنسان بحرًا كبيرًا من الأسرار وما يمكن أن نطبقه على نوع من الخلايا السرطانية كعلاج قد يفشل في علاج نوعٍ آخر من هذه الخلايا؛ لذلك فإن مجال البحث والتطبيق الفعلي والآمن لهذه التقنية ما زال يحتاج إلى الكثير من العمل، ولذلك يجب دعم عملية البحث العلمي من أجل تطوير أفضل لمجال العلاجات الدوائية وتقنيات علاج الأورام السرطانية.

بقلم: د. سارة أحمد سليمان

مراجعة وتدقيق: رانيا سعداوي

المراجع المستخدمة:

  1. A Promising, Novel Radiosensitizer Nanodrug Complex for Oral Cavity Cancer: Cetuximab and Cisplatin-Conjugated Gold Nanoparticles – PMC
  2. The application of nanoparticles in cancer immunotherapy: Targeting tumor microenvironment – PMC
  3. Gold Nanoparticles in Diagnostics and Therapeutics for Human Cancer – PMC
  4.  Gold Nanoparticles as Radiosensitizers in Cancer Radiotherapy – PMC
  5. Detecting and Destroying Cancer Cells in More than One Way with Noble Metals and Different Confinement Properties on the Nanoscale – PMC
  6. Unique Roles of Gold Nanoparticles in Drug Delivery, Targeting and Imaging Applications – PMC
  7. Green Silver and Gold Nanoparticles: Biological Synthesis Approaches and Potentials for Biomedical Applications – PMC
  8. The Combination of Laser Therapy and Metal Nanoparticles in Cancer Treatment 
  9. Originated From Epithelial Tissues: A Literature Review – PMC
  10. Frontiers | Gold Nanoparticles for Photothermal Cancer Therapy | Chemistry
  11. Gold Nanoparticles in Triple-Negative Breast Cancer Therapeutics: Ingenta Connect Fast Track Article


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!