الغضب أكثر شعور يساء فهمه | كيفية تطوير علاقة صحية مع شعور الغضب، ولماذا يساء فهمه

الغضب أكثر شعور يساء فهمه | كيفية تطوير علاقة صحية مع شعور الغضب، ولماذا يساء فهمه

26 مارس , 2022

النسخة الصوتية للمقال

للغضب سمعة سيئة؛ فمن بين جميع المشاعر التي يمر بها البشر، فإن الغضب وربما الغيرة أكثر مشاعر يساء فهمها. وعلينا أن ندرك أنه لابد من إظهار مشاعرنا سواءً لائمة المجتمع أم لا، وإن لم نتمكن من إدارة هذه المشاعر الأكثر حدة بطريقة سليمة وصحية، فأننا سنضطر إلى كبت كم كبير من الإحباط.

الغضب بين صورته الحقيقية وصورته الإعلامية

من أين ينبع انزعاجنا الجماعي من الغضب؟ توقف للحظة وفكر في الأمر. إن الثقافة السائدة تملي علينا بألا نتعامل مع الغضب ونتجاهله. تذكر واسترجع مشهدًا من فيلم، مسلسل أو كتاب عُرض فيه مشهد يدل على الغضب، غالبًا ما سيتبادر إلى أذهاننا مشهد متقلبًا، صاخبًا وربما عنيفًا. والآن، استرجع وقتًا كنت أنت أو شخص تعرفه يشعر بالغضب. غالبًا ستشعر بالسوء جراء هذه المشاعر.
ولا يقتصر الموضوع على أننا لا نتعامل مع الغضب بطريقة صحية، بل أننا مبرمجين على إبداء ردود فعل خاطئة، وعدم ضبط ومعالجة مشاعر الغضب بصورة صحيحة التي من الممكن أن تكون مفيدة.

تكمن المشكلة هنا في أن الغضب غالبًا ما يتم تصويره وفهمه على أنه رد فعل جامح لا هوادة فيه، يترك أثرًا مدمرًا. ما لا يتم إظهاره لنا هو أن بعض الأفراد يتعاملون مع الغضب بكياسة وتعاطف وانضباط وانفتاح وعزم. وبعبارة أخرى، نحن لا نرى الناس يستجيبون بشكل فعال لغضبهم ويتأقلمون معه. فما نشاهده غالبًا في الأفلام هو أكثر بكثير من مجرد غضب: إنه رد فعل يفتقد الانضباط والمعالجة، وربما منفصل عن الشعور بالغضب.

هل يمكنك التفكير في مشهد رأيت فيه شخص يتعامل مع غضبه بطريقة ماهرة ومثمرة؟ في استطلاع أجرى مؤخرًا على منصة انستجرام لمعرفة الذين تمكنوا من إدارة مشاعر الغضب بطريقة مثمرة، 67% من المشاركين صوتوا بأنهم لم يتمكنوا من ذلك، علاوةً على ذلك، 85% منهم قالوا بأن الغضب صُور على أنه أمر سيء أثناء فترة نشأتهم.

تأثير الصورة الإعلامية الخاطئة على التعامل مع مشاعر الغضب

سوء فهمنا للغضب لا يقتصر فقط على طريقة تمثيله بهذا الشكل في البرامج التلفزيونية والكتب، فالعديد من الأشخاص نشأوا على هذه الطريقة، سواء قيل لهم ضمنيًا أو بصريح العبارة بأن إظهار مشاعر الغضب ليس أمرًا محمودًا؛ فعندما لا يُظهر الشخص مشاعر الغضب ويخفيها يتم مكافئته وفي حال التعبير عن مشاعر الغضب يتم عقابه، ولذلك تعلم الكثير من الأشخاص أن يقوموا بكبت مشاعر الغضب وإخفاؤها. أضف إلى ذلك، مشاعر الارتباك والحيرة عندما يرى الأشخاص ردات الفعل الغاضبة من أولياء الأمور ووصفهم الغضب بالشعور السيئ، فلذلك يطور الأشخاص إمكانية كبت مشاعر الغضب أو التعامل معه بعدم الاستقرار والتذبذب.

فكيف يفترض بالأشخاص أن يتعلموا كيفية تقبل هذا الشعور والتعامل معه واحترامه، إذا كان يندرج من المحرمات والتعبير عنه يزيد من سمعته السيئة؟ فعندما نرى الغضب غير المنضبط، فليس الغضب هو المشكلة. إنما المشكلة تكمن في ردات الفعل والسلوكيات والخيارات الخاطئة.

وكيف يفترض أن يعرف الأشخاص كيفية التعامل مع مشاعر الغضب، إن لم يكن هناك تمثيل صحي له. فكم من الأشخاص ترعرعوا في بيئات يجري فيها البالغون محادثات حادة يعبرون فيها عن غضبهم بطرق صحية؟ على الأغلب عدد قليل. إن كنت تريد أن تهدي أطفالك هدية عظيمة، فقدم لهم نموذجًا يحتذى به لحل المشكلات أثناء الغضب.

كيف يمكننا التعامل مع مشاعرنا الغاضبة وتقبلها؟

الغضب هو عاطفة إنسانية أساسية، وهو شعور مشترك عند البشر والحيوانات. وتعد اللوزة الدماغية المنطقة المسؤولة عن هذه المشاعر، فهي مركز العاطفة في دماغنا، وهي تخدم وظيفة بدائية قابلة للتكيف، ليس فقط في حياتنا اليومية، ولكن أيضًا في بقائنا كنوع. ويمكن أن يكون الغضب مفيدًا. فهو يتيح لنا معرفة أن هناك شيئًا ما ليس صحيحًا من حولنا. وبناءً على ذلك، نحتاج أن نتعامل مع مع هذا الشيء أو الشخص، أو يمكن أنه يعبر أو يشير إل حدوث أمر هام، أو خسارة شيء معين، أيًا كان السبب والمصدر، يجب أن نولي مشاعر الغضب الاهتمام. وعندما نقوم بقمع وكبت الغضب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الشعور بالاكتئاب. عندما لا تكون لدينا الأدوات اللازمة لضبط ومعالجة الغضب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الغضب العارم والعنف والعدوان. فكيف يمكننا أن ننتبه لغضبنا ونحترمه ونديره بفاعلية؟

أولًا: بناء الوعي الذاتي:

قيّم مدى قوة مشاعرك من 1 إلى 10. وعندما يتجاوز غضبك (أو أي مشاعر كبيرة، لهذه المسألة) رقمًا معينًا، فعليك أن تبدأ بوضع خطة عمل. فعلى سبيل المثال، يمكنك أخذ قسط من الراحة، أو المشي، أو خذ نفسًا عميقًا بينما تضع يديك على صدرك. اشعر بالغضب وهو يتحرك في جسدك. كن على وعي بهذا الإحساس الجسدي لغضبك. باختصار، درب نفسك على اتخاذ إجراءات معينة لإعادة تنظيم جهازك العصبي إذا تجاوزت هذا الرقم. وتعلم كيفية التحكم بهذه المشاعر بوقت مبكر، واكتب خطة العمل هذه على ورقة وضعها في مكان تراه.

 ثانيًا: تعلم أن تعبر عن غضبك بطريقة فعالة:

خلافًا على ما قد تكون قد نشأت عليه، فلا حرج في قول “أشعر بالغضب” لصديقك، ومع ذلك، فإن هذه الكلمات تثير الكثير منا بشدة، فنحن لم نتعلم كيف نقولها أو نستقبلها بطريقة هادئة ومنفتحة.

 وهذا هو الشيء الذي لا يدركه الكثير منا: عندما يعاقبك ولي الأمر، بإمكانك أن تكون معاقب وغاضب في ذات الوقت، إنه ليس هذا أو ذاك. فليس عليك الانسحاب لمجرد أنك غاضب. إذا كان التواصل بهذه الطريقة جديدًا على علاقتك، فقم بإجراء محادثة مسبقة حول الغضب وكيف تعامل معه في السابق، والتغييرات التي ترغب في رؤيتها. عليك أن تكون محبًا للاستطلاع والمعرفة عند الحديث وفهم كيفية التعامل مع الغضب أثناء نشأتك، وكذلك أثناء تنشئة صديقك. استخدم عبارات بصيغة ضمير المتكلم (أنا) وتحدث بناءً على تجربتك. واطلب مقدمًا أن يتلقى أي شخص تتحدث معه هذه المشاعر الصعبة المحتملة بطريقة منفتحة وغير دفاعية.

ثالثًا: ذكّر نفسك أن الشعور بأن كل شئ على ما يرام لا ينبع من أي مصدر خارجي:

يمكنك أن تكون غاضبًا وتظل على ما يرام (أي أن تعلم بأن هذا الشعور سوف يزول، وأنه لا يحدد هويتك، وأنك لست وحدك معه، وأنه جزء من الحياة). إذا كانت فكرتنا أننا على ما يرام وإذا كان كل شيء بداخلنا ومن حولنا منظم، فإننا نهيئ أنفسنا لتحمل الكثير من المعاناة، لأن هناك الكثير لا نستطيع السيطرة عليه، فستكون في مواقف تجعلك غاضبًا، وسيخيب الناس ظنك. فتعلم وذكر نفسك بأنك يمكن أن تكون على ما يرام وغاضب، ويمكن لمشاعر الغضب أن تشعرك بالتحرر. وردد “شعوري بأن كل شئ على ما يرام مستقل عن أي شيء آخر. أنا على ما يرام حتى أثناء مواجهة الغضب”.

خلاصة القول، ذكر نفسك أنه لا بأس في أن تغضب، وابتعد عن الحكم على نفسك بسبب الغضب، وإذا وجدت أنك على وشك أن تطلق الأحكام على نفسك، فعليك التوقف وسؤال نفسك من الذي اعتاد أن يطلق الأحكام عليك – أو حتى على نفسه – في مرحلة الطفولة؟ إن هذه الوقفة ستوضح لك مصدر مشكلتك مع هذه المشاعر. في المرة القادمة حين تواجه شعور الغضب احرص على أن تنتبه له وانظر كيف يشعر جسمك في تلك الحالة، ورحّب به على أنه صديق قديم نافع في معظم الأحيان.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: عبير عبد الله الحقبي

مراجعة: عائشة السويركي

تعليق صوتي: عهود بحاري


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!