أين تعيش الميكروبات؟ لغز يطمح العلماء لحله

أين تعيش الميكروبات؟ لغز يطمح العلماء لحله

22 يناير , 2022

ترجم بواسطة:

نورا الخاطر

دقق بواسطة:

كريم طارق

يطور باحثو جامعة بوسطن نموذجاً هو الأول من نوعه للتنبؤ بأنواع كائنات التربة التي تعيش في بيئات مختلفة، ما يترتب على ذلك من آثار هائلة على الزراعة والتغير المناخي والصحة العامة.

على الرغم من أن التربة تحت أقدامنا تبدو ساكنة وغير حية، إلا إنها مفعمة بالحياة. فهي مليئة بعدد لا يُحصى من المخلوقات الحية الدقيقة النشطة بتكسير المواد العضوية مثل الأوراق الساقطة والنباتات، وتؤدي مجموعة من الوظائف الأخرى التي من شأنها أن تحافظ على التوازن الطبيعي للكربون والمواد المغذية المخزنة بالأرض تحتنا.

تقول جينيفر باتناغار، عالمة ميكروبيولوجيا التربة وأستاذ علم الأحياء المساعد بكلية الفنون والعلوم بجامعة بوسطن: “تشكل الميكروبات الجزء الأكبر من التربة، حية وميتة على حد سواء”. وأضافت: ” إنه من المعتاد أن نرى مئات من الأنواع المختلفة من الفطريات والبكتيريا في قبضة واحدة من التربة المأخوذة من الأرض، مما يجعلها واحدة من أكثر النظم الإيكولوجية الموجودة تنوعاً”.

لأنه لا يزال هنالك الكثير مما نجهله عن مخلوقات التربة، لم يحاول العلماء حتى الوقت الراهن أن يتنبؤوا بما يتعلق مكان معيشة أنواع محددة من الميكروبات أو مجموعات من ميكروبات التربة في جميع انحاء العالم. إلا انه امتلاك هذه المعرفة حول هذه المخلوقات- متناهية الصغر بحيث انها لا تُرى بالعين المجردة- يعد أمراً جوهرياً لفهم أفضل حول ميكروبيوم التربة، والتي تتكون من مجتمعات من ميكروبات مختلفة تعيش معاً.

واجه فريق من علماء الأحياء في جامعة بوسطن، من ضمنهم باتناغار، هذا التحدي – ويكشف بحثهم، لأول مرة، أنه من الممكن التنبؤ بدقة بوفرة الأنواع المختلفة من ميكروبات التربة في أجزاء مختلفة من العالم. نشر الفريق مؤخرًا النتائج التي توصلوا إليها في ورقة بحثية جديدة في مجلة Nature Ecology & Evolution .

وتقول باتناغار: “إذا عرفنا مكان الكائنات الحية على الأرض، وعرفنا كيف تتغير عبر المكان والزمان تبعاً لقوى بيئية مختلفة، وشيء حول ما تفعله الأنواع المختلفة، فيمكننا حينئذٍ التنبؤ بشكل أفضل بكيفية تغير وظيفة هذه المجتمعات من حيث دورة الكربون والمغذيات”. سيكون لهذا النوع من المعرفة آثار هائلة على الزراعة والتغير المناخي والصحة العامة.

يقول مايكل ديتز مؤلف الدراسة وأستاذ الأرض والبيئة بكلية الفنون والعلوم بجامعة بوسطن: “إن صحة التربة مرتبطة جداً بميكروبات التربة”. انضم كل من ديتز، باتناغار والباحثون من مختبراتهم للعمل في هذا المشروع، الذي تضمن تحليل مئات من عينات التربة التي تم جمعها بواسطة مواقع أبحاث شبكة المرصد البيئي الوطني (NEON).  قدمت باتناغار وأعضاء مختبرها إلى الفريق خبرتهم في التربة، بينما قدم ديتز ومختبره قدرتهم الفريدة على تطوير تنبؤات بيئية دقيقة وتنبؤات بيئية على المدى القريب.

تعّلم الفريق أن إمكانية التنبؤ بالميكروبات تزداد مع زيادة المساحة المكانية، لذلك كلما زادت مساحة الأرض التي يقدم نموذجهم تنبؤات بشأنها، زادت احتمالية دقة التنبؤات حول أنواع الميكروبات التي تعيش هناك.

يقول ديتز إن القدرة على التنبؤ بدقة بالميكروبات التي من المحتمل أن توجد في عينة تربة معينة زادت أيضاً عندما نظر الباحثون في تجمعات الكائنات الحية على مستوى أعلى على مقياس النشوء والتطور، وهو النظام الذي يصنف الكائنات على أساس الارتباط التطوري. في المستوى التصنيفي الأصغر و الأخير، يمثل “النوع” المستوى التصنيفي الأكثر تحديداً؛ من ناحية أخرى، تشكل “الشعبة” التجمعات الأكبر والأكثر تنوعاً من الكائنات الحية. فوجئوا عندما اكتشفوا أنهم كانوا أكثر قدرة على التنبؤ بوجود شعبة كاملة، على عكس الأنواع المنفردة

بعد تلقي البيانات الجينومية لعينات التربة من  NEON، تأخذ نماذج الفريق البحثي التنبؤية العوامل البيئية الخاصة بالمكان الذي جاءت منه التربة بعين الاعتبار – ما هي النباتات التي تعيش هناك، حموضة التربة (pH)، درجة الحرارة، والمناخ، وغيرها الكثير. ووجدوا أن نموذجهم كان الأقدر على التنبؤ بوجود الكائنات الحية الدقيقة على أساس علاقتها التكافلية مع الأنواع النباتية المحلية. 

على سبيل المثال، تعد الفطريات الجذرية أو المايكورايزا  Mycorrhiza من ميكروبات التربة الشائعة جداً التي ترتبط معها حوالي 90 بالمئة من العوائل النباتية، بما في ذلك أشجار الصنوبر والبلوط في نيو انغلاند.

 بالمقابل، وجد الفريق أنه من الصعب التنبؤ بمجموعات كبيرة من الكائنات بناءً على علاقتها بحموضة التربة. تقول باتناغار: “على الرغم من معرفة مستويات حموضة التربة ، وأنواع البكتيريا التي ترغب عادةً في العيش في تلك البيئة، فإن نموذجهم لا يستطيع التنبؤ بدقة بكمية البكتيريا الموجودة بالفعل في عينة التربة”. وأردفت: “هذا يعني أن هناك شيئًا آخر يتجاوز العلاقة مع [الحموضة]، يتجاوز العلاقة مع أي عامل بيئي آخر نقيسه عادةً في أنظمتنا البيئية”.

والآن، يقوم فريق ديتز وباتناغار بتوسيع نماذجهم التنبؤية إلى ما هو أبعد من التنبؤ بالميكروبات استناداً إلى موقعها فقط، لتشمل أيضاً أوقاتاً محددة من السنة.

تقول زوي ويربين، طالبة الدكتوراه العاملة في مختبر باتناغار والمؤلفة في الورقة: “إن بناء إطار للتنبؤ بميكروبيوم التربة في جميع أنحاء الولايات المتحدة سيحسن فهمنا للتغيرات الموسمية والسنوية  وهذا يمكن أن يساعدنا على توقع كيف يمكن لتغير المناخ أن يؤثر على العمليات الميكروبية مثل التحلل أو دوران النيتروجين في الطبيعة”.

من خلال مشروع أطروحتها، تأمل ويربين في الإجابة على أسئلة جوهرية حول كيف ولماذا يتغير ميكروبيوم التربة بمرور الوقت والمكان.

 تقول ويربين: ” كلما تعلمنا أكثر، زاد إدراكنا بمدى أهمية ميكروبات التربة للزراعة، الصحة العامة، والتغير المناخي. إنه لمن المثير أن نبحث في كيف يمكن للمخلوقات المجهرية أن يكون لها هذا التأثير واسع النطاق”. و أضافت: ” نعلم أن هنالك عوامل معينة تؤثر على المجتمعات الميكروبية، مثل درجة الحرارة والرطوبة. لكن لا نعلم مدى أهمية هذه العوامل مقارنة بالتنوع الطبيعي أو التفاعلات بين الميكروبات. سيساهم بحث الدكتوراه الخاص بي في تحديد القوى الدافعة لميكروبيوم التربة ، فضلاً عن أكبر مصادر عدم اليقين.

المصدر: https://phys.org/news

ترجمة: نورا الخاطر

تويتر: @leevora4

مراجعة وتدقيق: كريم طارق شحات مصطفى  


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!