crossorigin="anonymous">
19 يناير , 2022
في أي يوم من أيام حياتنا من المحتمل أن يصل تقديرنا لذاتنا إلى حد السماء السابعة، في دقيقة واحدة قد نشعر بالثقة والرضا، وفي الأخرى يخالجنا شعور بانعدام الأمان والاضطراب.
(في دقيقة يهذي طربًا وفي التالية يكتئب)
-هاروكي موراكامي
بقدر ما يمكن أن يكون هذا الأمر مقلقًا إلا أنه ليس نادر الحدوث. غالبًا لا يعتمد إدراكنا الذاتي على ما يحدث بالفعل في حياتنا بل على تشويه داخلي سلبي يُعرف باسم “صوتنا الداخلي الناقد”.
الصوت الداخلي الناقد هو نمط متكامل من الأفكار السلبية تجاه أنفسنا والآخرين. بالإضافة إلى تظليل إحساسنا الذاتي وغالبًا ما يكون هذا العدو الداخلي هو السبب الجذري لسلوكنا غير القادر على التكيف. نحن لا نعتبر هذا الصوت أوهام سمعية، ولكن سلسلة من الأفكار والمواقف الاستجوابية والنقدية والمحددة ذاتيًا والتي تظهر جلّيا في يومنا.
حتى نفهم آلية عمل هذا الصوت من الجيد أن نمعن النظر أولاً في أصوله. يتشكل نقدنا الداخلي من تجارب الحياة المبكرة التي يتم اعتناقها وتؤثر على إحساسنا بهويتنا، مثلّما تساعد التجارب الإيجابية للحب والدفء والأمان في تشكيل إحساسنا الإيجابي بالذات، أيضًا تجارب الحياة السلبية تُغذي ناقدنا الداخلي.
أثناء محاولتنا لفهم هذه التجارب المؤلمة والمؤذية تتوصل عقولنا إلى استنتاجات حول من نحن وكيف سينظر لنا الآخرين.
أيضًا يمكن أن تساعد السلوكيات المؤذية التي نلتقطها من آبائنا والقائمين على رعايتنا الأولية والتفاعلات السيئة مع الأقران والأشقاء والمؤثرين من الممكن أن تساعد جميعها في تشكيل صوتنا الداخلي الناقد. قد يبين لنا الأب المعارض والمتسلط بأننا غير مهمين ونشكل عبء وبأننا مليئين بالعيوب وغير جديريّن بالثقة.
فنحن كأشخاص بالغين بإمكاننا عيش حياة مستقلة، لكننا حكمنا على ذاتنا من خلال هذه المواقف واحتفظنا بها كما احتفظنا بصوت الآباء الناقدين في رؤوسنا تماماً.
الجزء الأصعب في هذه المرحلة هو أننا نادرًا ما نحدد هذه الأفكار على أنها قوى خارجية تصيغ وجهة نظرنا الواقعية، بدلاً من ذلك نرى أن صوتنا الداخلي الناقد هو وجهة نظرنا الحقيقية.
إذن، كيف يؤثر هذا الصوت في حياتنا الحالية؟ صوتنا الداخلي الناقد صعب، لأنه لا يملأ رؤوسنا فقط بالشك الذاتي والتعليقات الحادة والتقييمات اللاذعة فهو شامل لكل شيء من كيف “ننظر” إلى كيف” نتصرف” و من نحن ومالذي نستحقه وكلها تعتبر بمثابة مهدئات ذاتية.
على سبيل المثال، إذا كنا نفكر فيما إذا كنا سنخرج ليلاً وحدث أن ألقينا نظرة خاطفة على أنفسنا في المرآة فقد يتسلل هجوم صوتي مع تعليق سلبي مثل “تبدو فظيعًا, لماذا حتى تتكبد عناء ارتداء الملابس؟” أيضًا أثناء الاستحمام قد يبدأ الأمر بـ”ما الهدف من الخروج؟ فأنت انطوائي منعزل” في اللحظة التي نرتدي فيها ملابسنا قد يغير هذا الصوت لحنه فيقول: “لست بحاجة إلى الخروج هل تعلم؟ يمكنك فقط البقاء ومشاهدة هذا العرض الذي يعجبك، تناول مشروبًا واسترخي فإن الخروج سيجعلك تشعر بالسوء على أي حال”.
يمكن أن يتحول الصوت بسرعة من كونه قاسيًا وحاسمًا إلى نغمة ناعمة ومهدئة، رغم ذلك فإن النتيجة هي ذاتها.
في اللحظة التي نستسلم فيها ونقرر البقاء في المنزل مثلاً يصبح الصوت أقوى يقول: “أنت فاشل، وستكون دائماً بمفردك”. من الجيد أن نتذكر أن الصوت الداخلي ليس في صالحنا أبدًا وأنه تم تصميمه خصيصًا لإعادة تأكيد المعتقدات السلبية الحالية التي نتمسك بها عن أنفسنا مثل ان نقول” أنت بشع وغريب ولا تحظى بشعبية وما إلى ذلك”
الجانب المربك الآخر لصوتنا الداخلي الناقد هو أننا نشوه أنفسنا في كلا الاتجاهين. نظرًا لأن صورتنا الذاتية تبدو هشة بسبب نزوة عملية التفكير السادية هذه، فإننا نميل إلى التقليل من شأن أنفسنا والدفاع عنها في آنٍ واحد.
على سبيل المثال، إذا أخبرنا شريكنا بشيء يزعجه بشأن الطريقة التي تصرفنا بها أو أعطانا رئيسنا نقدًا بناءً فقد نشعر بالتهديد المبالغ فيه ونصبح في وضع دفاعي، في اللحظة التي نشعر فيها بالهجوم قد نتجادل وكأن صورتنا الذاتية بالكامل تعتمد على ذلك لأن ناقدنا الداخلي هو ما جعلنا نشعر بذلك.
غالبًا ما نكون حساسين بشكل خاص للنقد الذي يتناغم مع الأصوات الداخلية النقدية الموجودة مسبقًا والتي شكلناها عن أنفسنا. قد يكون هذا غير منطقي لأنه قد يبدو أننا نتفق مع مثل هذا النقد. وفي الحقيقة عندما نشعر بالفعل بالضعف الشديد وانعدام الأمان بشأن جانب واحد من أنفسنا.
وأن الأشخاص هم الذين يؤكدون هذا المفهوم القاسي السلبي للذات، قد نكون أكثر وعيًا وحساسية تجاه أنفسنا لكننا في الوقت ذاته دفاعيين جدًا حول الاعتراف بأي أوجه قصور.
نشعر أننا لا نستطيع التعامل مع أي انتقادات أو ملاحظات خارجية، لأن صوتنا الداخلي الناقد يلتقط هذه العبارات ويحولها إلى هجمات.
كالمرشّح الذي يصفي الإيجابي ويبالغ في السلبي مما يجعله مدمرًا بعض الشي.
غالبًا ما يكون رد الفعل المؤلم (أو رد الفعل المفرط) نتيجة استرجاع الظروف التي خلقت الصوت الداخلي الناقد في المقام الأول.
على سبيل المثال بالعودة إلى مثال أحد الآباء الذي يتجاهل ويرفض احتياجاتنا، قد نكون حساسين خاصةً للأشخاص الذين يرون أننا مطالبون بأي شكل من الأشكال. نظرًا لأن المشاعر التي يتم تحريكها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بماضينا فإننا غالبًا ما نشعر بالخوف المفرط من ردود الفعل المحددة، قد نبالغ أو نسيء تفسير ما يقوله الشريك والصديق أو حتى زميل في العمل وغيرهم لجعله يتناسب مع إحساس قديم ومؤلم اكتسبناه.
وهذه العملية لا واعية إلى حد كبير. نحن لا ندرك المشاعر البدائية التي تُثار أكثر مما نحن مدركون للصوت الداخلي الحرج الذي بدأ يصدح داخل رؤوسنا. في حين أننا في مرحلة سباق ذاتية ندافع عن أنفسنا ونهاجم الشخص الآخر وربما نهاجم أنفسنا مرة أخرى. يمكن لصوتنا الداخلي الناقد أن يقيم حلقة مفرغة إلى حد ما، ولكن الخبر السار هو أنها حلقة يمكننا كسرها، وأول سبيل إلى ذلك هو الرأفة الذاتية.
والتعاطف مع الذات خلافًا لاحترام الذات، لأنها تركز على أن نكون لطفاء مع أنفسنا فضلاً عن تقييم استحقاقنا. يتضمن هذا اللطف أن نكون مدركين لحقيقة أننا كثيرًا ما نستمع إلى مدرب داخلي لئيم لا يخدمنا.
للتغلب على هذا النقد الداخلي، يجب علينا تحديد وقت نشأته وفهم مصدره وفصل وجهة نظرنا الحقيقية وتقويتها، وأخيراً قمع السلوك الذي يعززه.
أثناء فعلنا لهذا فأننا نحتاج أن نضع الرأفة الذاتية نصب أعيننا.
وفقًا للباحثة “كريستيان نيف: “إن التعاطف مع الذات ينطوي على الانفتاح على معاناة المرء وتأثره به والتحلي بمشاعر الرأفة واللطف تجاه الذات واتخاذ موقف متفهم وغير قاض إزاء أوجه القصور والإخفاقات التي يعاني منها الفرد والاعتراف بأن تجربته هي جزء من التجربة الإنسانية المشتركة”.
يتيح لنا التعاطف الذاتي مواجهة ناقدنا الداخلي برأفة ويتيح لنا توسيع هذا التعاطف ليشمل الآخرين الذين يعيشون أيضًا تحت وطأة صوتهم الداخلي الناقد.
إن التخلص من تبعات هذا النقد الداخلي واحتضان التعاطف والرأفة مع الذات في سبيل معرفة ذاتنا حقًا وأن نصبح ما نود أن نكُن عليه.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: سهام المطيري
تويتر: E_seham11
مراجعة: هبه عبدالمحسن الصريصري
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً