تجميع الميكروبات لمحاربة أمراض المناعة الذاتية

تجميع الميكروبات لمحاربة أمراض المناعة الذاتية

8 أكتوبر , 2019

الملخص:

تحقيق التوازن بين أجسادنا وبين الكائنات الدقيقة النافعة فى عالمنا قد تساعد بشكل كبير المصابون بأمراض المناعة الذاتية .

يعيش حوالي 10 ترليون نوع من البكتيريا والفطريات والميكروبات الأخرى على أجسادنا أو داخلها, مبدئياً في أمعائنا، ولكن حتى في أفواهنا، في الجهاز التنفسي، على جلدنا وتقريباً على كل جزء  من جسدنا.

يتفوق عددها بشكل ضخم على عدد خلايا الجسم، وهذا يستدعي السؤال الذي يقول من يمتلك هذا الجسد؟
لمدة عقود فائتة كانت هذه السكان (الميكروبات) مصدر مزعج يؤدي للإصابة بالعدوى.

ولكن مؤخراً، اكتشف العلماء أن الميكروبيوم لا غنى عنه في حياة الإنسان، على سبيل المثال، يساعد على هضم الأغدية التي لا يمكن للجسم أن يهضمها وحده، يستخرج المزيد من الأغذية والسعرات من الطعام. والأمر الأكثر غموضاً، هو تداخل الميكروبيوم مع الجهاز المناعي  يُعزز الصحة بطرق غير متوقعة. فقد يحافظان على بطانة الغشاء المخاطي الذي يحمي أعضاء الجسم من الإختراق من قبل الميكروبات وهم أيضاً مشاركين في طرد وتثبيط البكتيريا الضارة.

الميكروبيوم يختبر ويدرب الجهاز المناعي بينما يصقل الجهاز المناعي الميكروبيوم
“هذه البكتيريا ليست موجودة هناك بالصدفة” يقول جوزيف موري طبيب الجهاز الهضمي والباحث في مايو كلينك، “لقد تطورنا معهم منذ الولادة،وبينما هم يتطورون، هم في الواقع يساعدون على نضج جهازنا المناعي، خاصة في الأمعاء ولكن حتى باقي الجسم”.

في الآونة الأخيرة اكتشف د. موري و الباحثون الأخرون في “مايو كلينك” أن الميكروبيوم خارج الخلية- وهي حالة تعرف باسم dysbiosis- يرتبط بأمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد، ومرض الإضطرابات الهضمية . الأمر غير واضح إذا كان dysbiosis عَرض أم سبب للمرض.

لكن عملهم أظهر نوعاً من البكتيريا التي تنتمي للميكروبيم والمعروفة باسم Prevotella histicola  قد تكون مفتاحاً لإعادة الميكروبيوم إلى المسار الصحيح وتخفيف بعض آثار أمراض المناعة الذاتية هذه.
يسمي الدكتور موراي P.histicola  بـ brug  وهي اختصار للجملة ” تعمل البَقّة عمل الدواء”.

التهاب المفاصل الروماتويدي، التصلب المتعدد ومرض الإضطرابات الهضمية هي أمراض مناعية ذاتية شائعة، تحدث عندما يقوم جسم الإنسان بمهاجمة أنسجة الجسم بصورة مبالغ فيها عندما يخترق الجسم كائنات غريبة.

في مرض التصلب المتعدد يحطم جهاز المناعة غشاء المايلين الواقي الذي يغطي ألياف الأعصاب ،مما يسبب أعراضاً مثل الخدر وضعف وفقدان الرؤية. في التهاب المفاصل الروماتويدي،الكولاجين في المفاصل هو الهدف،مما يسبب تورم يمكن أن يؤدي إلى تآكل العظام وتشوه في المفاصل. وفي مرض الإضطرابات الهضمية, يؤدي تناول الغلوتين إلى استجابة مناعية مضللة، تدمر بطانة الأمعاء الدقيقة ويمكن أن تسبب الإسهال وفقدان الوزن والإنتفاخ وفقر الدم.

الإكتشاف الرائع الذي تم في السنوات العشر الماضية هو أن كل واحد من هذه الأمراض لديه ما يسمى ب dysbiosis .إن البكتيريا الموجودة في الأمعاء تختلف عن الضوابط الصحية” يقول إريك ماريتا باحث في أمراض الجهاز الهضمي في مايو كلينك: “هناك شيءٍ ما يحدث مع البكتيريا المعوية هل هو نتيجة لمرض المناعة الذاتية الآن، أم أنه السبب؟ هذا هو الجوهر لما نفعله”.

تتزايد الإصابة بأمراض المناعة الذاتية في البلدان المتقدمة، والسبب غير معروف. أحد الإقتراحات هو “فرضية النظافة” حيث يتم تنظيف البيئة المحاطة بنا, وبينما الناس يبذلون جهوداً أكبر للتخلص من البكتيريا أو قتلها, فإن أجهزة المناعة لديهم تكون أقل عرضة للميكروبات وهناك عمل قليل لفعله.

“يشبهها الناس بالمثل القائل  “الأيادي الخاملة تؤدي إلى عمل الشيطان” الفكرة هي أن الجهاز المناعي الخامل يمكن أن يصبح جهاز مناعي خاطئ التوجيه وأننا بالمجمل نحتاج غلى وجود أشياء تحديدا الميكروبات التي تعيش فينا وعلينا للمساعدة في الحفاظ على العلاقة” يقول د موراي ” إنها تحفز جهاز المناعة لدينا قليلاً حتى نحافظ على دفاعات جيدة ولكنها أيضاً تساعدنا على احتواء أو فحص تلك الإستجابة المناعية”.

حصلت الدكتورة فينا تانيجا وعالمة المناعة في مايو كلينك, على بريق من هذه العلاقة عندما كانت تدرس التهاب المفاصل الروماتويدي كطالبة دراسات عليا في مسقط رأسها الهند. تتبعت 41 أسرة واكتشفت أن المرضى المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية الأخرى. مثل داء السكري من النوع الأول، الذئبة الحمراء والتهاب الغدة الدرقية المناعي. كما أصيبت بالصدمة بأن عدد من المرضى أبلغوا عن حدوث التهاب مفاصل روماتويدي بعد تناول حبوب الكلى. للتوضيح: حبوب الكلى مليئة بالبروتينات والمغديات النباتية. لكن يمكن للناس أن تستجيب بشكل مختلف للأطعمة المختلفة حتى تلك الصحية.

“لقد كان الأمر دائماً عالقاً في ذهني: كيف يمكن أن تؤدي حبوب الكُلى إلى الإصابة بالمرض؟ بطريقة ما هناك ارتباط ما مع القناة الهضمية” تقول الدكتورة فينا, من المعروف الآن ان النظام الغدائي لديه تأثير قوي على ميكروبات الأمعاء.

“لقد أتيت لمايو بسبب الفئران التي يملكونها” تقول د فينا. تحديداً, أرادت الوصول إلى الفئران المعدلة وراثياً التي طورت من التهاب المفاصل البشري وتساءلت قائلة :” هل تختلف الميكروبات المعوية الخاصة بهم عن تلك التي ليس لديها مرض؟ هذا هو السؤال الذي أردت الإجابة عليه”.
بالتعاون مع د مواري, اكتشفت د .فينا أن ال dysbiosis  في بكتيريا أمعاء الفئران المصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي تشير إلى “الدور المهم للبكتيريا المعوية الحميدة” في تطور المرض.

د .فينا, موراي وماريتا وبعض الباحثون الآخرون في” مايو كلينك”, عرفوا الميكروب P.histicola  بأنه لديه ” آثار جهازية مناعية” في مختبر د .فينا, تسببوا في التهاب مفاصل الروماتويدي في الفئران التي لديها الجينات المرتبطة بالتهاب المفاصل البشري, وعالجوهم بجرعات فموية تحتوي على المليارات من P. histicola  لعدة أسابيع.

تبدو الجرعة أقل مما هي عليه: قد يؤوي الفم ما يصل إلى 6 مليارات من البكتيريا في أي لحظة.
أظهرت الفئران التي عولجت ب P.histicola “انخفاضاً ملحوظاً في حدوث وشدة التهاب المفاصل، مقارنة بالفئران الأخرى”.

“لقد فعلتها، وقلت بأنني لا أصدق هذا، كيف يمكن لذا أن يحدث؟ بمجرد إعطاء البكتيريا توقف التهاب المفاصل في 50 بالمائة من الفئران” تقول د .فينا. لذلك أجرت التجربة مرة ثانية، وثالثة،ورابعة وخامسة. ولخصت قائلة: “هذه السلاسل من P.histicola  تتحكم في الجهاز المناعي والهضمي”.
السؤال الواضح والوحيد كان: كيف؟. يخفف الميكروب الإستجابة المناعية للجسم ليس فقط في القناة الهضمية, ولكن أيضا في جميع أنحاء الجسم لأنه يزيد من نشاط الخلايا التائية التنظيمية التي تعدل الإستجابة المناعية وتؤثر على الخلايا الجدعية. هذه الخلايا الجدعية تقدم مستضدات للخلايا المناعية لبدء الاستجابة المناعية. كما واجهت P.histicola تسرب في الأمعاء والحاجز الدماغي الدموي من سمات المرضى بأمراض المناعة الذاتية.

يبدو أيضا أنه يعيد بعض الاستقرار الطبيعي إلى الميكروبيم. مما يقلل الإشارات الكيميائية التي تسبب الالتهاب. تم نشر النتائج في عام 2016 في جينوم الطبية.

حاول الباحثون تجربة مماثلة مع الفئران المعدلة وراثيا  لتطوير مرض التصلب العصبي المتعدد.في الدراسة التي نشرت في 2017 في cell report  أظهرت P.histicola  قدرة مماثلة على تثبيط الإستجابة المناعية للجسم وتقليل أعراض وتطور مرض التصلب العصبي المتعدد.

ولكن كيف لكائن واحد أن ينجز كل ذلك؟ هل من خلال تنظيم الاستجابة الخلوية مباشرة؟ أم عن طريق انتاج المنتجات الثانوية التي تخفف من الاستجابة المناعية؟ أم عن طريق تنظيم الميكروبات الأخرى لجعل الميكروبيوم في المدى الطبيعي؟ أم كل الذي ذكر؟ يبقى هذا غامض قليلا.

ومع ذلك. فإن الباحثين يعملون على دراسة أخرى مماثلة لعلاج مرض السكري من النوع الأول. وحصلت مايو كلينك على براءة اختراع لإستخدام P.histicola لعلاج أمراض المناعة الذاتية وقد بدأت لتوها تجارب سريرية مبكرة.

إذا نجحت التجارب وفعلت هذه البكتيريا للبشر ما فعلته للفئران، فقد يتوفر علاج جديد للأشخاص الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية. استرجاع التوازن في الميكروبيوم وتخفيف الأعراض قد يكون سهل مثل تناول حبوب تحتوي على هذه البكتيريا, “إذا قاوم جهازي المناعي الإستوطان, سأستمر بأخد الحبوب” تقول د فينا “إذا استوطنت البكتيريا، فلا نحتاج لتناولها إلى الأبد”.

بينما يلعب علم الوراثة دوراً كبيراً في تشكيل الميكروبيوم, يمكن للمرضى اتخاد خطوات لتحسين فرصهم في أن تظل الميكروبات الخاصة بهم سليمة ومتنوعة ومستقرة.

“بداية نطعمهم طعاماً جيداً؛ لذا النظام الغذائي النباتي يبدو أكثر صحة من النظام الغذائي الذي يحتوي على دهون ولحوم” يقول د. موراي, “تانيا: لا تستخدم المضادات الحيوية إلا إذا كان لابد منها. أخد المضادات الحيوية هو بمثابة تبديدها”.

المصدر:
https://discoverysedge.mayo.edu//

ترجمة: منى عبد السلام
@monamadrid4

مراجعة: سلمى سلمان

@salmasalman7


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!