العلاج الجيني لفقر الدم المنجلي “عندما يتعلق الأمر باضطرابات الدم، خطأن يصنعان صواباً”

27 يوليو , 2016

ترجم بواسطة:

مرام العتيبي

فقر-الدم-المنجلي

سينيا هارس، فتاة تبلغ من العمر 9 أعوام، من مدينة بوسطن، ورثت من كلا والديها طفرة جينية لاضطراب الخلية المنجلية، الخلية المنهكة، واضطراب الدم القاتل – في بعض الأحيان. مع جرعة زائدة من الجين المعتل أصبح جسد سينيا ينتج نوعاً معيباً من الهيموجلوبين، ذلك الجزيء المكون لخلايا الدم الحمراء والمسؤول عن حمل الأكسجين ونقله إلى الرئتين وجميع الأنسجة في جسم الإنسان.
إن جزيئات الهيموجلوبين منجلية الشكل لها القدرة على تشويه كريات الدم الحمراء الطبيعية المستديرة لتأخذ شكل الهلال أو المنجل المقوس، مما يجعل الخلايا تجتمع سويةً لتعيق مرور الأكسجين في الأنسجة بالتالي، يؤدي ذلك إلى حدوث ضرر فسيولجي خطير يعرف بـ (أزمة الخلايا المنجلية)، وهو عبارة عن ألم شديد ومتكرر يتطلب العلاج الطارئ لمنع السكتات المميتة، أو فشل أعضاء الجسم.
بعد الصف الرابع، أصبحت سينيا قادرة على المشاركة في حصص الرياضة البدنية،الرقص،  الذهاب إلى المدرسة دون مشاكل صحية تذكر! و السر في ذلك يكمن في طفرة الجين الثاني والذي حد من التقوس الشاذ لخلايا الدم الحمراء. إن هذه التغيرات الجينية تعني أنه على الرغم من أنها لا تزال تعاني من أزمة الخلايا المنجلية إلا أنها قادرة على حماية نفسها من تأثير الهيموجلوبين المعتل بقية حياتها !
وفي العشر السنوات الماضية اكتشف الأطباء بعض الأطفال الذين يحملون طفرات جينية غير عادية قادرة على مواجهة الخلل في الخلايا المنجلية، لذلك يرغب الباحثون في إعادة دراسة الأسباب الغير مألوفة في علم وظائف الأعضاء لدى المصابين بفقر الدم المنجلي. وإن لم تكن هذه الأبحاث تساهم مباشرة في إيجاد العلاج المناسب، فإنها على الأقل ستساهم في إدخار العلاج التعويضي لأكثر من 300 ألف رضيع يولدون كل عام مع فقر الدم المنجلي، والذين يتوفون قبل مرحلة الطفولة. ومن شأنه أيضاً أن يجعل الحياة أسهل لأكثرمن 70 ألف شخص يعيشون مع هذا المرض في الولايات المتحدة وعلى الرغم من توفر العلاج والأدوية التي تخفف من آثار المرض إلا أنهم غالباً ما يتوفون في عمر الأربعين.
ولقد بدأ الباحثون في اختبار بعض النظريات والنهج التي تعتمد على تغيير دقيق وتعديل جينات معينة باستخدام تقنيات جديدة في مجال الهندسة الوراثية (كما سيتم معالجتها قريباً و توفير آلية تعويضية أسهل لإصلاح الخلل في الجين الأصلي والمسبب للخلايا المنجلية). وكما ذكر لويد كليكيستن من شركة نوفارتيس للرعاية الصحية، والتي تعتبر من بين المؤسسات والجامعات الرائدة في اكتشاف كل جديد لعلاج الخلايا المنجلية “إن نهج تعديل الجينات يملك قدرة على تغيير قواعد اللعبة و إحداث ثورة في العلاج”.

ما لا يقتلك !
على الرغم من كثرة الأمراض والحالات الحرجة التي تهدد حياة الإنسان خاصةً في مرحلة الطفولة، نجد أن فقر الدم المنجلي ينتشر في العالم بشكل مدهش. فإذا كانت هذه الطفرة الجينية تتسبب في قتل المصابين في مرحلة الطفولة، نتوقع أن عدد قليل منهم سيعيش فترة طويلة لنقل السمة الجينية المعتلة لجيل آخر!
في آواخر العام 1940 لاحظ العالم هالدن أن اضطرابات الهيموجلوبين تنتشر في المناطق الاستوائية حيث تنتشر الملاريا! ولقد افترض أن الأطفال الذين يولودون مع جين معتل من الهيموجلوبين ( والذي لا يسبب مشاكل جسدية خطيرة) يملكون القدرة على محاربة الملاريا والبقاء على قيد الحياة ونقل الجين لأطفالهم في المستقبل. وقد أثبتت الدراسات اللاحقة فرضية هالدن على الأقل جزئياً، فعلى الرغم من أن الأشخاص الذين يحملون جين واحد من الخلية المنجلية يمكن أن يصابوا بالملاريا و احتمالية وفاتهم بسبب العدوى الطفيلية أقل من أولئك الذين لا يحملون آي طفرة جينية. و الأمر الذي لا يزال يحير العلماء كيف لتغير الهيموجلوبين أن يمنح للجسم هذه الحماية البيولوجية؟
في المقابل يفهم العلماء جيداً لماذا نسختين من الخلية المنجلية المعتلة قد يسبب الهلاك! إن جزء الهيموجلوبين يتكون من 4 وحدات فرعية والنوع الأكثر شيوعاً منها عبارة عن زوج متماثل من البروتين يعرف بـ”الفاجلوبين” وزوج آخر يعرف بـ ” بيتا جلوبين”. كل وحده فرعة تحتوي على تركيب يعمل على حمل عنصر الحديد، والذي يعمل بدوره على حمل أو إنتزاع الأكسجين، لذلك كل هيموجلوبين لديه القدرة على حمل 4 جزيئات من الأكسجين، فنجد أن الفرد الذي يرث طفرة واحدة من الخلية المنجلية ينتج نوع واحد معتل وآخر صحيح من بيتاجلوبين. بينما أولئك الذين يرثون جين الخلية المنجلية من كلا الأبوين ينتجون فقط بيتاجلوبين معتل. و حينما لا يتوفر الأكسجين الكافي يقوم زوج البيتاجلوبين بالتلاحم سوياً، وهذا التلاحم قوي جداً مما يدفع بقية جزيئات الهيموجلوبين بالترابط أيضاً كما حدث مع جزيء الهيموجلوبين المتضرر. وفي نهاية المطاف تشكل هذه الجزيئات سلسلة طويلة تشوه شكل خلايا الدم الحمراء وتحوله إلى الشكل المنجلي، مما يسبب أزمة الدم المنجلي. يقول الباحث ماثيو من دانا فاربر مركز سرطان وأمراض دم الأطفال في بوسطن، “إن الهيموجلوبين المعتل بإمكانه إحداث ثقب في الخلية الطبيعية مما يقلل من العمر النموذجي لها فيصبح من 120 يوم إلى أقل من 20 يوم، مع ذلك يحاول الجسم استبدال هذه الخلايا المتضررة، لكن ماذا لو لم يستطع مجاراة هذا الخلل”.
دروس من الطبيعة:
تعتبر زراعة نخاع العظم الحل الوحيد لعلاج فقر الدم المنجلي، والذي يوفر دورة دموية جديدة للجسم، وهي عملية مكلفة جداً وتتطلب خبرة طبية لا تتوفر إلا في أغنى بلدان العالم. وهي الخيار الوحيد في حال كان للمريض أخ سليم يحمل خلايا مطابقة لخلايا المصاب. وأثبتت الدراسات أن خطر الوفاة من هذه العملية حوالي 5 إلى 10 % ، مما يجعل الخيار صعباً للآباء فإما المخاطرة بحياة أبنائهم أو تخفيف الألم عنهم مدى الحياة.
وفي حالة آخرى مثيرة للاهتمام، تحصل أثناء نمو الأجنة في الأرحام. حيث يقوم الجنين والذي يحمل نوعاً مميزاً من الهيموجلوبين والذي يرتبط بقوة شديدة مع جزيئات الأكسجين مما يجعله يأخذ احتياجه من أكسجين الأم عبر المشيمة. و هذا النوع من الهيموجلوبين يبدأ في التناقص بعد السنة الأولى من ولادة الجنين، بالتالي تقل نسبة الأكسجين في خلايا الدم الحمراء. في حال أن الطفل الذي يرث من كلا والدية جين الخلية المنجلية تبدأ كريات الدم الحمراء الطبيعية بالتحول إلى منجلية في غضون أشهر بعد الولادة، فتبدأ أعراض فقر الدم المنجلي بالظهور.
العمل على الإصلاح
إن الفكرة الحديثة لعلاج فقر الدم المنجلي تعتمد على إيقاظ و إعادة تفعيل دور الهيموجلوبين الجنيني، و ذلك عن طريق تعطيل الجين المسؤول عن إيقاف عمله. و أثبت الأطباء أن تعطيل الجين أسهل بكثير من استبدال الجزء المعتل في الحمض النووي، والمسبب لفقر الدم المنجلي.
و بعد سنوات عديدة من دراسة الأسس الوراثية لفقر الدم المنجلي قام الباحث ستيوارت أوركين من شركة دانا فاربر، بتحديد نقطة دقيقة في الحمض النووي لخلايا مسؤولة عن تصنيع الدم لمدى طويل عرف بالخلايا الجذعية، حيث أن اقتصاص جزء صغير منها كفيل بإعادة تصنيع الهيموجلوبين الجنيني لأجل غير مسمى. كما تستعد الباحثة أوركين بالتعاون مع عدد من الباحثين باستخدام تقنية جديدة لتعديل الجينات تعرف “أصبع الزنك” في حين أن شركة بلوبيرد في مدينة كامبريدج تعتمد على استخدام فيروس لتوصيل الجين المضاد للخلايا المنجلية، والذي يعمل على تحفيز الهيموجلوبين السليم في الخلايا الجذعية المصنعة للدم.
إن هذه الطرق و على الرغم من توفرها للمرضى بشكل كبير على عكس زراعة نخاع العظم، إلا أن لها آثار سلبية كالعقم والإصابة بمرض السرطان بعد سنوات من العلاج.
ومثل هذه الطرق العلاجية من شأنها إحداث فرق كبير في حياة المرضى خاصةً في البلدان الغنية، و مع ذلك يجب البحث عن حلول آخرى لمساعدة الأطفال في الدول الفقيرة، يقول الرئيس الفخري لمعهد دانا فاربر للسرطان والباحث الرائد في مجال الخلايا المنجلية ” إن العيش مع الخلايا المنجلية صعب، مؤلم، ومرعب في الولايات المتحدة، لكن في الدول النامية هو كارثة حقيقية”.

المصدر: http://www.scientificamerican.com/article/genetic-treatments-for-sickle-cell/
ترجمة: مرام العتيبي
@Aalmaram
مراجعة: فيصل آل حسين
تدقيقة: بدرية العميري

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!