الفيروسات البكتيرية القاتلة للبكتيريا

الفيروسات البكتيرية القاتلة للبكتيريا

6 أبريل , 2016

ترجم بواسطة:

سليمان العجل

دقق بواسطة:

سعد الشهري

الفيروسات البكتيرية.psd

لمواجهة التهديد المتنامي للبكتريا المقاومة للمضادات الحيوية، عاد العلماء إلىتجربة طراز قديم توقفوا عنه لفترة طويلة وهو ما يعرف بالفيروسات البكتيرية (البكتريوفاج).

الفيروسات البكتيرية هي فيروسات قاتلة للبكتيريا وحجمها أصغر من حجم البكتيريا بكثير استخدمت بشكل ضئيل لعدة عقود في أمريكا وأغلب الدول الأوربية وتم التوقف عن استخدمها كعلاج  للقضاء على البكتيريا الممرضة بعد  اكتشاف المضادات الحيوية وحصلت الفيروسات البكتيرية على الاهتمام مرة أخرى بعد أن أصبحت البكتيريا مقاومة للكثير من المضادات الحيوية حيث يمكن استخدامها كعلاج بديل عن المضادات الحيوية لقتل البكتيريا الممرضة وكذلك البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية (البكتيريا الخارقة).

توضح دارسة نشرت في مجلة الأمراض المعدية في شهر أكتوبر الماضي بأن ما يقارب نصف الإصابات البكتيرية التي تصيب المرضى بعد العمليات الجراحية وكذلك حوالي ٢٥٪ من الإصابات البكتيرية التي تصيب المرضى بعد العلاج الكيميائي في أمريكا هي بسبب البكتيريا الخارقة (المقاومة للمضادات الحيوية).  في أجزاء كثيرة من العالم لم تعد المضادات الحيوية الأكثر شيوعا تعمل والتي تستخدم في علاج الالتهابات الرئوية والتهابات المسالك البولية وكذلك عدوى مجرى الدم. 

البكتيريا الخارقة تشكل تهديداً خطيراً للعالم أجمع، على سبيل المثال يوجد عائلة مميتة من البكتيريا الخارقة تعرف بالبكتيريا المعوية المقاومة للكاربابينم  (السي آر إي) وهي مقاومة تقريباً لكل المضادات الحيوية المتاحة حيث اكتشفت لأول مرة في مستشفى نورث كارولينا في عام ٢٠٠١م وبعد ذلك انتشرت في كل الولايات الأمريكية، أوروبا، الشرق الأوسط وكذلك أمريكا الجنوبية. يقول الدكتور فريدن من مركز التحكم بالأمراض والوقاية منها في أمريكا بأن البكتيريا الخارقة هي كابوس حقيقي يهدد العالم ويضيف بأنه في وقتنا الحالي البكتيريا الخارقة موجودة في مستشفى واحد من كل ٢٥ مستشفى في أمريكا ويقول أيضاً بأنه يجب علينا أن نوقفها قبل أن تصل للمجتمع.

قام العلماء بمحاربة البكتيريا الخارقة عن طريق اكتشاف أو اختراع أدوية جديدة لا تعرفها البكتيريا من قبل واليوم بالرغم من أن الكثير من المضادات الحيوية على المحك والبعض الآخر لم يعد فعالاً كما في الماضي إلا أن آخر مضاد حيوي دخل إلى سوق المضادات الحيوية كان قبل ثلاث عقود، هذا النقص أقنع العلماء بالتفكير في إعادة استخدام الفيروسات البكتيرية (البكتريوفاج).

يبلغ حجم البكتريوفاج ١٪ من حجم البكتيريا وهي من أقدم أشكال الحياة في هذه الأرض وأكثرها وفرة وتتواجد في التربة ومجاري المياه وعلى الجلد وتتميز بأنها غير مؤذية للإنسان وهي قاتلة للبكتيريا. للفيروسات البكتيرية أشكال وأحجام مختلفة ومن أحد الأشكال الأكثر شيوعاً هو أنها ذات رأس سداسي مع ساق حلزوني وفي نهاية الساق يوجد ذيل حاد على شكل إبرة حيث يستخدم الفيروس البكتيري هذا الذيل الحاد لاختراق جدار خلية البكتيريا ومن ثم يحقن الحمض النووي بالداخل (داخل الخلية البكتيرية) ومن ثم يبدأ البكتريوفاج بالتكاثر بشكل كبير وسريع داخل الخلية البكترية وبالتالي تنفجر البكتيريا وتموت بسبب هذا التكاثر اللامحدود والسريع بداخلها وتم اكتشاف الفيروسات البكتيرية قبل أكثر من قرن تقريبا.

Screen Shot 2016-04-03 at 3.38.18 AM

في عام ١٩٣٠م،  قامت شركة إيلي ليلي وشركاه وكذلك شركة سكويب وأولاده و مختبرات أبوت ببيع مجموعة متنوعة من منتجات البكتريوفاج لبعض المستهلكين (الأطباء) في أمريكا ولكن مع اكتشاف المضادات الحيوية فقد الأطباء حماسهم لاستخدام الفيروسات البكتيرية كأدوية ضد البكتيريا الممرضة فيما واصلت العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق استخدامها رغم اكتشاف المضادات الحيوية ولا تزال هذه الممارسات موجودة حتى وقتنا الحالي.

يقول الدكتور مزيا كوتاتيلادز مدير معهد جورج إليافا للبكتريوفاج ، والأحياء الدقيقة والفيروسات في تبليسي أن حوالي ٢٠٪ من الأمراض البكتيرية في جورجيا تعالج باستخدام البكتريوفاج وتقوم شركة الدواء مايكروجين الروسية بإنتاج مجموعة من البكتريوفاج (الفيروسات البكتيرية) والتي تستخدم لعلاج الزحار وبعض الإصابات البكترية حيث يختبر بعض الأطباء البولنديين تلك المجموعة من البكتريوفاج على المرضى الذين لا يستجيبوا للعلاج باستخدام المضادات الحيوية. أكبر عقبة تقع أمام استخدام البكتريوفاج كعلاج أساسي معتمد أنها لم تخضع لتجارب سريرية دقيقة ولكن في وقتنا الحالي هناك ضغط متزايد لإحراز تقدم ولجلب البكتريوفاج إلى عالم الطب اليومي حيث تقوم الكثير من المختبرات وشركات التقنية الحيوية بعمل الكثير من الأبحاث عليها من أجل أن تكون متاحة بأسرع وقت ممكن.

قامت شركة أمبليفاي للعلوم الحيوية في ريتشموند بولاية فرجينيا بإجراء بعض التجارب الأكلينكية على الإنسان واستخدام البكتريوفاج ضد سلالات من البكتيريا العنقودية وسيتم علاج أول مريض قريباً. كذلك تخطط شركة تكنو فاج البرتغالية للبدء في بعض الدراسات السريرية في أمريكا في عام ٢٠١٧ وذلك باستخدام البكتريوفاج لعلاج التهابات القدمين التي يسببها مرض السكري وكذلك يوجد حاليا شركة هولندية تبيع بعض الكريمات التي تحتوي على مواد كيميائية مشتقة من البكتريوفاج وتستخدم هذه الكريمات لعلاج حب الشباب والأكزيما وبعض الالتهابات الجلدية الأخرى.

في شهر مارس الماضي اعتبر البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية العلاج باستخدام البكتريوفاج كأحد الخيارات المتاحة في الخطة الوطنية لمحاربة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية (البكتيريا الخارقة)، وفي شهر يوليو اجتمع ١٣٠ باحث وخبير في البكتريوفاج من جورجيا وروسيا وبولندا في ورشة عمل عقدت بواسطة المعهد الوطني للصحة (إن آي أتش) في بالتيمور لمناقشة طرق تطوير العلاج باستخدام الفيروسات البكتيرية وقال راندال كينكيد (وهو باحث في إن آي اتش) المنظم لهذا الحدث بأنه بدء بتقديم الفيروسات البكتيرية كعلاج في المنظمة منذ عام ٢٠٠٣م ووجد صعوبات لإقناع العلماء والباحثين بجودتها وبفعاليتها في علاج الكثير من الإصابات البكتيرية.

في وقتنا الحالي وفي ١١ مستشفى في كل من بلجيكا وفرنسا وسويسرا تستخدم الفيروسات البكتيرية لمعالجة المصابين بالجروح بسبب الحروق حيث تعمل هذه الفيروسات البكتيرية على قتل بكتيريا Pseudomonas aeruginosa وEscherichia coli حيث يعتبر هذان النوعان من البكتيريا الأكثر شيوعا في إصابة الجروح التي تسببها الحروق. مؤخراً، قامت إحدى شركات التقنية الحيوية الفرنسية (فيرسايديس فارما إس إيه) بعزل حوالي ٢٠٠٠ بكتيروفاج من مصادر مختلفة منها مياه الصرف الصحي التابعة لهيئة الصرف الصحي الفرنسية وكذلك عزلت هذه الشركة بعض الفيروسات البكتيرية من مياه النهر المغربي. ومن ناحية استخدام البكتريوفاج في حيوانات التجارب، فقد أثبتت بعض الدراسات التي أجريت على صغار الخنازير بأن الفيروسات البكتيرية لا يوجد لها أي أعراض جانبية حيث أعطيت جرعات عالية جداً تساوي ١٠٠٠ مره ضعف الجرعة العادية ولم يظهر على الحيوانات أي أعراض جانبية وكذلك توضح دارسة أخرى أجريت على بعض الفئران حيث تم حقن الفئران بسلالة بكتيرية عالية الضراوة من بكتيريا Escherichia coli وشفيت الفئران تماما وبنسبة ١٠٠٪ من هذه الإصابة البكتيرية بعد علاجها بالبكتريوفاج.

قام مجموعة من الباحثين بإنتاج خليطين من البكتريوفاج وكل خليط يحتوي على مجموعة مختلفة من البكتريوفاج. المجموعة الأولى تحتوي ١٢ نوع من البكتريوفاج تسهتدف بكتيريا Escherichia coli والخليط الثاني يحتوي على ١٣ نوع من البكتريوفاج وتستهدف هذه المجموعة بكتيريا P. aeruginosa. حيث أن الإصابة بهذين النوعين من البكتريا تعتبر من أكثر أنواع الإصابات البكتيرية انتشارًا لدى المرضى المصابين بحروق ولهذين النوعين القدرة على مقاومة المضادات الحيوية بشكل سريع جداً وبالتالي إذا فشلت المضادات الحيوية في العلاج، سوف تنتشر هذه البكتيريا في الدم من خلال الجروح التي تسببها الحروق وبالتالي تؤدي إلى الوفاة، يقول الدكتور جاولت رئيس وحدة التخدير في مستشفى بيرسي في باريس بأن هذين النوعين من الإصابات البكتيرية هي من أكثر أنواع الإصابات التي تحدث الوفاة لدى المرضى المصابين بحروق.

وكذلك وعلى مستوى الأبحاث والدراسات السريرية، أجرى بعض المختصين والباحثين تجربة فريدة من نوعها وذلك لمعرفة مدى فعالية البكتريوفاج في القضاء على الإصابات البكتيرية لدى بعض المرضى في أحد المستشفيات الفرنسية في باريس. تم اختيار ١١٠ مريض على مدى ثلاث سنوات وتم علاجهم بالبكتريوفاج بناء على رغبتهم وكذلك تم اختيار نفس العدد من المرضى وعلى مدى ثلاث سنوات وتم علاجهم بمضاد يسمى سلفاديازين. قام الأطباء بأخذ مسحات من الجروح في منطقة الحرق لكلا المجموعتين وتم إرسال المسحات إلى المختبر من أجل التحليل ومن أجل معرفة مدى تأثير المضاد الحيوي أو البكتريوفاج على البكتريا الموجودة في الجروح! هل انخفض عدد البكتريا أم ارتفع بعد كل جرعة علاجية. وكانت بيانات المرضى مخفية بحيث لا يعلم العاملين في المختبرات وكذلك محللين النتائج أي من المرضى تم علاجه بالمضاد الحيوي وأي منهم تم علاجه باستخدام البكتريوفاج. وكان الهدف من هذه التجربة هو لمعرفة ما إذا كانت الفيروسات البكتيرية لديها القدرة على تقليل عدد البكتريا في الجروح بشكل أسرع وبفاعلية أكبر من المضاد الحيوي سلفاديازين.

كان هناك مريضة اسمها جاكلين بنهامو تبلغ من العمر ٧٣ عاما وهي إحدي المشاركين في هذه التجربة السريرية وهي مصابة بحروق من الدرجة الثانية على ظهرها ومنطقة الأرداف وذلك عندما اشتعلت النيران في ملابسها بسبب لهب الشمع. في سبتمبر الماضي أدخلت العناية المركزة في مستشفى نانتز غرب مدينة باريس وعولجت هذه المرأة في بداية الأمر بالمضادات الحيوية. تم أخذ جلد من منطقة الفخذين والساقين وزرع الجلد المأخوذ في المناطق المحترقة. وبالرغم من العنايه الفائقة في المستشفى إلا أن لون الجلد بدء يتغير إلى اللون الأخضر مع زرقه مما يدل على وجود إحدى الإصابات البكتيرية القاتلة التي تسببها بكتريا Pseudomonas aeruginosa. وافقت هذه السيدة على أن تكون أول المنظمين للعلاج باستخدام الفيروسات البكتيرية بالرغم من أنها كانت قلقة عندما شرح لها الأطباء بأنهم سوف يعالجونها بفيروسات بكترية مستخرجة من مياه الصرف الصحي. في صباح أحد الأيام، نامت على جنبها وكان جزء من ظهرها انسلخ منه الجلد بسبب الإصابة البكتيرية وقامت الممرضة بتفريغ أحد العبوات التي تحتوي على خليط من البكتريوفاج (يقدر عددها بمليار) في وعاء ومن ثم أحضرت الممرضة ضمادات وغمرتها في السائل الذي يحتوي على البكتريوفاج وبعد ذلك قامت بوضع هذه الضمادات على الجروح في منطقة الحروق في الظهر. تم تنويم المريضة ومن ثم أخذ منها مسحتين من المنطقة المصابة بجروح ووضعت في أنابيب زجاجية وأرسلت للمختبر من أجل التحليل وأظهرت النتائج المخبرية بأن عدد البكتيريا انخفض بشكل رهيب بعد استخدام البكتريوفاج. وتم فحص الجلد ولوحظ أن اللون الأخضر اختفى وتحول لون الجلد إلى اللون الأبيض قريب من لون الجلد الطبيعي وهذا دليل على أنها تحسنت وأن البكتريوفاج قضت على الإصابة البكتيرية لديها وتم تحويل هذه السيدة من العناية المركزة إلى قسم إعادة التأهيل بعد أن تعافت من الإصابة البكتيرية الخطيرة التي كان للفيروسات البكتيرية الدور الكبير في القضاء عليها.

الكاتب/ سليمان العجل

تويتر: @sulaiman_dk

مراجعة / سعد الشهري

تدقيق/ حمزة بن حسن الفقير

المصدر:

http://www.wsj.com/articles/to-fight-growing-threat-from-germs-scientists-try-old-fashioned-killer-1453490328

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!