طريقة حديثة تمكّنك من فهم ذاتك

طريقة حديثة تمكّنك من فهم ذاتك

31 أكتوبر , 2021

ترجم بواسطة:

مدى أحمد

دقق بواسطة:

نوف العويدي

إن هذا النهج النفسي الحديث يقدم طريقة تعينك على معرفة ذاتك بشكلٍ أكثر عمقًا.

تمّلكت الحيرة علماء النفس إزاء أفضل السبل التي تمّكنهم من إدراك مفهوم الهوية، وبدأ ذلك منذ قيام إريك إريكسون بنشرِ نظريته المؤثرة التي تدور حول تطوّر دورة الحياة، إذ  تُعدّ أحد المفاهيم الأساسية التي قدّمها في هذا المجال.   

فطبقًا لإريكسون، لا تتمثل هويتك فقط فيمن تكون أنت كشخص، بل بالطريقة التي تنظر بها لعلاقاتك وقيمك وقدراتك وأدوارك الاجتماعية، وغالبًا الأبحاث التي تدور حول الهوية تصب تركيزها على فترة المراهقة فقط ؛ فحينها يبدأ الأشخاص بتطوير هذه الصفات لأول مرة. ولكن يعتقد بعض علماء النفس -بما فيهم أنا- خلاف ذلك، ولا تزال الهوية تلعب دورًا هامًا حتى في مرحلة البلوغ.

   وبغض النظر عن عمرك الحالي، إلا أنه قد يكون بإمكانك إبصار دور الهوية في حياتك. ؛ ولتصبح الصورة أكثر وضوحًا.. بمَ كنت ستجيب إذا طلب منك أحدهم أن تشرح بالتفصيل عن إحساسك بذاتك وشخصيتك؟ كيف تغيّر شعورك بذاتك مع مرور الوقت؟ أنت في قرارة نفسك تدرك أنك ما زلت الشخص “نفسه”، ولطالما أيقنت ذلك ، ولكن أيساورك الشعور عينه في أعماقك؟ كيف أثّرتْ منعطفات الحياة وتقلباتها على هذه النظرة التي طالما اعتنقتها إزاء أهم صفاتك؟

لمَ يبدو هذا الوقت الأمثل لرؤية ذواتنا بمنظور جديد؟

طبقًا لجي سوي وزملائه من جامعة أبردين (٢٠٢١)، فإن  “المعلومات التي تحصل في العالم يتم معالجتها أولًا من قبل الذات، أو الهوية، ومن ثمَّ تنبع تصرفات  البشر وفقًا لذلك” بمعنى آخر، أنت تفسّر جلّ تجاربك بناءً على إحساسك بذاتك، ومن ثمَّ تتصرف بطريقة تعكس هذا المنظر المعيّن للواقع.

على سبيل المثال، قد تعتقد أنك منذ أن كنت مراهقًا وحتى أصبحت بالغًا بأن قدراتك الجسدية لم تتغير على الإطلاق. وحتى إن آلمتك ركبتاك سوف تتحجّج بالطقس أو بسوء جودة حذائك. ؛  لذا نتيجةً لهذه الفكرة  فإنك  لن تقوم بتغيير عادتك السيئة التي تسبّبت بهذا الألم في المقام الأول، بل ستواصل إرهاق نفسك بالعمل بغض النظر عن السوء الذي سيعتري قدماك.

  إن استمرارك بالتصرّف بناءً على إحساسك فقط، ضاربًا عرض الحائط عما يحاول الواقع تحذيرك منه، قد يكون معقول عند حدّ معيّن، ولكن سرعان ما سيجعلك تنفصل عن الواقع،  وبالتالي سترى أن هذا لن يؤثر على صحتك الجسدية فحسب حيث ستزداد حالة ركبتيك سوءًا  بل على صحتك العقلية أيضًا  .

يرى المؤلفون الإسكتلنديون بأن “الاضطرابات المتعلقة بالذات تملك ارتباطًا وثيقًا مع غالبية المجالات” إذ إنها تغطي “مجموعة من الحالات النفسية “؛ لذلك اقترحوا وسيلةً قد تحرز تقدمًا لـ “الطب النفسي الدقيق”؛ وهو الطب الذي يحمل قدرًا أكبر من الدقة في التشخيص ويقدم علاجاتٍ أكثر فعالية، وتكمن الوسيلة بضرورة تطوير “معدات تلتقط التغيرات الحيوية في الحالات العقلية ومعرفة مدى تأثيرها على الاضطرابات المتعلقة بالذات”

كيف يمكن للهوية أن تؤثر في صحتك العقلية؟

يقترح سوي و الآخرون أنه ينبغي الأخذ بالاعتبار الاضطرابات التي تسببها المعالجة الذاتية، إذ أن إن هذه الاضطرابات يمكن أن تزودنا بفهم جديد للاضطرابات النفسية في حالة اضطراب المزاج، كالاكتئاب مثلًا، و من المعروف أنه يُدعى بالثالوث المعرفي؛ حيث يتسم بخلق تفكير اكتئابي حول ثلاث أشياء: الذات والعالم والمستقبل، ويعزز شعور الحزن في المزاج بشكلٍ دائم.

بالتالي، إذا كانت هويتك الذاتية تعبّر عن فردٍ منتقد ، فببساطة ستجد نفسك تفسّر كل ما يدور حولك بطريقةٍ تشاؤمية تعزّز وجهة نظرك هذه ؛  فعلى سبيل المثال، إن كنتَ في تجمع ورمقك شخص ما بنظرةٍ جانبية، سرعان ما ستفترض أنه ينتقدك، وبالتالي ستعزف عن الحديثِ معه بدلاً من فعل العكس، وتفوّت فرصة تعارف قد تكون ممتعة للغاية.

ونظرًا لأن الهوية شيء قد يكون أساسي للغاية في مجال الصحّة العقلية، فقد لاحظ باحثو جامعة أبردين أن قياس هذا المفهوم المحيّر قد يشكل تحديًا كبيرًا للدراسة العلمية؛ فلأجل قياسه يتعين على الباحث تزويدك بقائمة عناصر لتقيّم نفسك بناءً عليها، أو قد يجري مقابلة معك عوضًا عن ذلك، ويقوم حينها بالاستفسار عن أعمق وجهات نظرك الذاتية، وما يعيب هذه الطريقة أنها تعتمد اعتمادا كليًا على الإبلاغ الذاتي، حيث  تخضع لرغبة الناس في مشاركتهم أو الإفصاح عن خصائص معيّنة فيهم (وهذا ما يسمى بخصائص الطلب).

إن إجراءات الإبلاغ الذاتي والمقابلات لا تقل أهميةً عن ذلك، حيث لا تنعكس على تصرفات الأشخاص الفعلية، ففي هذه المقابلات أنت تفصح عن مشاعرك حول ذاتك بطريقةٍ معينة، ولكن ما الطريقة التي تحاول أن تتصرف بها في الواقع؟ هل تحاول أن تكون إجاباتك منظمّة قدر الإمكان عند ملء الاستبيان؟ ولكن في المقابل إن كنت في موقف اجتماعي ستتصرف بشكلٍ مختلف كليًا، خصوصًا في المواقف التي يسيطر عليك التفكير السلبي الذي يبعدك عن الناس.

الطريقة الأمثل لفهم هويتنا

عادةً عند زيارة الاختصاصي النفسي يستخدم الأشخاص طريقة “السرد” للإفصاح عما بداخلهم، ولكن الفريق الإسكتلندي يقترح طريقةً بديلة ألا وهي نهج متعدد الطرق، وذلك طمعًا بتحقيق أكبر قدر من الدقة في كلٍ من التشخيص والعلاج. ويدعى هذا النهج “البيئة الآلية للبحث الذاتي” فتصبح الذات سمة مركزية تتضمّن الإدراك والذاكرة والتحكم في العواطف، وأن “مركز الجذب” هذا يعتمد على الطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص مع بيئاتهم، إذ إنّه يتشكّل من خلال التفاعلات. ، ولأجل تقييم هذا المحور الأساسي للذات  يجري الباحث أو الممارس الصحي كلا التقييميّن: التقييمات الشخصية (الإبلاغ الذاتي) والتقييمات الموضوعية (بناءً على السلوك)، إلى جانب القياسات التجريبية مثل التدابير السلوكية الحيوية (مستويات هرمون التوتر، مثلًا.) .

بعد ذلك يتم إدخال كل تلك المعلومات في مجموعة خوارزميات أو في برامج الحاسب الآلي (أي: الجزء الآلي من النموذج)، والذي يستخدم في البيئات الطبية بهدف صياغة توصيات لعلاج الصحة العقلية القائم على الدقّة. وبذلك، تصبح عمليات معالجة البيانات طريقة قياسية في الطب الدقيق، على الرغم من أنه يبدو أشبه بمزيج من الخيال العلمي والتعلم الآلي والذكاء الصناعي إلا أنه حقيقي بالكامل. ومن الأمثلة على ذلك، أصبح هنالك أجهزة حاسب بإمكانها قراءة فحوصات الدماغ والأشعة  السينية وبطريقةٍ بالغة الدقة مقارنةً بأفضل خبراء التشخيص!

 يدّعي المؤلفون بشدة أن نهجهم لن يوفر فقط تشخيصات وخطط علاجية أكثر دقة للصحة العقلية، بل سوف يسنح أيضًا بالمزيد من الفرص للمساواة والشمول، لكون هذا النهج يستوعب “تنوع الاحتياجات الفردية”.

إن هذه التوصيات تغذي التفكير بالفعل، ولكن ما الآثار المترتبة عليها بالنسبة لك، كفردٍ يبتغي فهم صحته العقلية عن طريق فهم هويته؟ على ما يبدو بأن الفكرة الأهم تتلخص بأنه قد يكون هنالك انفصال وفرق شاسع بين تفسيراتك لتجاربك الخاصة، وبين التفسيرات الطبيعية والأكثر “موضوعية” لتلك التجارب نفسها! وعلى غرار المثال السابق، في حال كنت في مناسبة ما و رمقك شخص بنظرة انتقاد، سيكون التفسير الطبيعي لهذه النظرة بأنه لا علاقة لك بها بأي شكل من الاشكال! 

     ستبتهج بشكل دائم إذا قيّمت الأمور حولك بهذه الطريقة، لذا إن كنت بالفعل تحاول تحقيق الدقة في الصحة العقلية، فمن الجلي الانتباه للمرات التي تحاصرك فيها أسوأ مخاوفك، وحسمها إما بتأكيدها أو نفيها، ستستفيد حينها بإدخال هذه البيانات تلقائيًا في نظام تعلّمك الذاتي.

خلاصة القول، إن فكرة التركيز على الذات بهذه الطريقة الواسعة القائمة على البيانات يمكن أن تساعد في توفير نهج جديد للصحة العقلية ؛ إذ أنَّ تحسين “ملاحظاتك القابلة للتطوير” قد يساعد في صقل هويتك وتعزيزها أثناء تنقلك في تجاربك الحياتية.

المصدر: Psychology Today

ترجمة: مدى أحمد

مراجعة وتدقيق : نوف العويدي  

  تويتر:  N_Alowaidii@


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!