كيف ستعيد أزمة كورونا صياغة الوظائف

كيف ستعيد أزمة كورونا صياغة الوظائف

9 يونيو , 2020

ترجم بواسطة:

أريج القحطاني

دقق بواسطة:

تركي طوهري

رغم صدمة هذه الأزمة إلا أننا حتمًا خرجنا منها بفوائد وأفكار من شأنها أن تمهد لحركة جديدة متطورة في العالم لم نعهدها من قَبل، صياغة الوظائف الخلّاقة نموذج.

أجبر تفشي كوفيد-19 المؤسسات على أكبر تجربة اجتماعية جارية عن مستقبل الوظائف، إذ إن سياسات العمل من المنزل والتباعد الاجتماعي ستغير طريقتنا في العمل والتفاعل مع بعضنا البعض تغيرًا جذريا. إلا أن تأثير الأزمة على الوظائف أعمق من الاقتصار على تغيير المكان الذي يعمل فيه الناس، فهي ستغير طبيعة العمل المؤدى وكيفية أدائنا له على نحو جوهري.

يقوم كثير من الموظفين بمهام لم يكونوا يتصورونها قبل عدة أسابيع، وأحيانا يقومون بها بأساليب لم تكن لتخطر على بالهم، فموظفو شركات الملابس مثل “بروكس بروذرز” و”نيو بالانس” يصنعون كمامات وأردية جراحية، فيما أعادت شركات “تيسلا” و”فورد” و”جنيرال موتورز” تجهيز مصانعها بآلات تصنيع أجهزة التنفس الصناعي من قطع السيارات، وذلك بعد تعطيل مصانعها الخاصة بالسيارات بسبب التراجع في الطلب الاستهلاكي عليها.

يحظى القادة بفرصة لا مثيل لها لإعادة صياغة الوظائف التي تكون في صميم كيفية إنجاز العمل، وذلك عن طريق إعادة ترتيب العمل، وتوكيل الموظفين بمسؤوليات مختلفة، لتحسين الاستجابة للاحتياجات الناشئة لمؤسسات القادة وعملائهم وموظفيهم.

نقترح هنا ثلاثة أساليب لتحويل العمل والمواهب والمهارات إلى الأماكن الأشد احتياجا لها وفي الوقت المناسب، مما سيساهم في بناء مرونة المؤسسة، وسرعة الأداء الضرورية لتخطي  الأوقات العصيبة، والعودة بقوة عندما يتعافى الاقتصاد:

1- جعْل العمل متنقِّلا عبر أقسام المؤسسة

صار توجيه الموظفين بأقصى سرعة وكفاءة ممكنة إلى المهام الأكثر أهمية أهم من أي وقت مضى، وذلك تبعًا للظروف الراهنة المتعلقة بمرض كوفيد-19. فعلى سبيل المثال حوَّل بنك أمريكا تحويلا مؤقتا أكثر من 3 آلاف موظف من كل أقسام البنك إلى مناصب مخصصة للرد على هجمة من مكالمات المستهلكين وعملاء المؤسسات التجارية الصغيرة.

يمكن جمع الموهبة المناسبة بالعمل المناسب لها لمواجهة تحديات العمل الناشئة في الوقت الحالي، عن طريق كسر قيود العمل الصارمة. فشبكات الفرق المخوَّلة بالعمل خارج الهيكل التنظيمي القائم والهياكل البيروقراطية إنما هي طاقة حاسمة للاستجابة السريعة في أوقات الأزمات.

أنشأت مؤسسات كثيرة مثل “آليانز جلوبال انفيستورز” و”سيسكو” أسواقاً للمشاريع الداخلية التي تقسم العمل إلى مهام ومشاريع يمكن مطابقتها مع موظفين من أي قسم من أقسام المؤسسة عندهم المهارات المناسبة والوقت المتاح للعمل. وتُمكِّن هذه الأسواق الناس الذين جُرِّدوا فجأة من وظائفهم العادية من الحصول على وظائف أخرى بسرعة وسهولة، وظائف تعتمد على مهاراتهم الأساسية حيث ستُحدِث مساهماتهم تغييرًا.

الاستعانة بمثل هذه الأسواق يُمكِّن المؤسسات من سد النقص في مكان موظف مريض، وإضافة أعضاء إضافيين إلى المشاريع ذات الأهمية الحرجة، والتغلب على التجميد المفاجئ للتوظيف. عندما واجه أحد مديري التوظيف إحدى فترات التجميد تلك مؤخرا قَسَّمَ منصبا جديدًا إلى خمس وظائف بدوام جزئي، وتسلمها موظفون حاليون، مما منح لهؤلاء الموظفين فرصا جديدة للتعلم والتطور، بينما تمكن هذا المدير من تحقيق أهدافه في العمل.

تفكيك الوظائف إلى مهام يُسهِّل معرفة المهام التي يمكن أن يؤديها الموظفون العاملون عن بعد أو في مواقع جغرافية أخرى. ثم يمكن للقادة أن يجمعوا المهام المتقاربة التي تسمح بالعمل عن بعد في وظائف جديدة، ونقل المهام التي تتطلب العمل الميداني إلى وظائف أخرى أقل عددا، مما سيحد من كمية العمل الذي يجب أن يؤدى في المكاتب أو المواقع الميدانية.

2- تسريع العمل بالأتمتة

الأتمتة لبعض أنواع العمل قد تزيد من المصداقية، وتحسِّن السلامة والرفاهية، وتتعامل مع الزيادة المفاجئة في الطلب. والأتمتة في الواقع ليست سببا في شُحِّ الوظائف في بيئة العصر الاقتصادية، بل إنها أصبحت قوة إلزامية في التعامل مع أي أزمة.

وسَّعت كثير من شركات المنفعة العامة نطاق استخدامها لبرمجيات الأتمتة في الأسابيع الماضية، لتسمح للموظفين بتشغيل الأنظمة ومراقبتها والتحكم بها عن بعد، مما سيحد من خطر تعرض الموظفين للفيروس، وسيسيِّر المرافق العامة بسلاسة بدون أي انقطاع في خدماتها.

أما الشركات الأخرى فزادت من استخدامها للأتمتة في مراكز الاتصال، وذلك للتعامل مع حجم المكالمات. فالأتمتة قد تسرِّع زمن الاستجابة، وبالتالي زيادة عدد العملاء المستقلين في المهام المتعلقة بالمعاملات، بحيث يتمكنون من التركيز على الرد بالتعاطف والذكاء العاطفي الذي يحتاجه العملاء في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى.

3– تَشارُك الموظفين عن طريق مبادلات المواهب عبر الصناعة

يجب علينا بما أننا قادة أن نسأل أنفسنا: كيف يمكننا أن نستفيد من نظام المواهب المعقد في بناء المرونة عند كلٍّ من المؤسسات والناس خلال هذه الأوقات العصيبة؟ إحدى الإجابات المبتكرة هي تطوير مبادلة المواهب عبر الصناعة، حيث يُنقل الموظفون الذين لا عمل لهم بسبب الأزمة مثل (خطوط الطيران، والفندقة)، إلى المؤسسات التي عندها فائض في العمل مثل (الصحة، والخدمات اللوجستية، وبعض متاجر البيع بالتجزئة) وذلك بصورة مؤقتة، وهذا سيساهم في تجنب تكاليف الاحتكاك وتكاليف السمعة المقترنة بتسريح الناس، بينما يدعم الموظفين بتطوير مهاراتٍ وشبكات عملٍ جديدة.

سوبر ماركت “كروجر” على سبيل المثال تستعير مؤقتا موظفين مجازين لمدة 30 يوما من “شركة سايكو” وهي شركة توزيع مواد غذائية بالجملة، تستعيرهم للمطاعم التي تضررت ضررا شديدا من فيروس كورونا.

بدأت الشركات في الصين بتبادل الموظفين بطريقة إبداعية قبل أشهر، حيث نقلت الموظفين الذين لا عمل لهم من المؤسسات مثل (المطاعم)، وأعارتهم إلى المؤسسات الأخرى التي تمر بتزايد في الطلب مثل “هيما”، وسلسلة “علي بابا” لتموينات التجزئة والمعروفة بخدمة التوصيل السريع لمواد التموينات الغذائية. وقد انظم أكثر من 3 آلاف موظف جديد من أكثر من 40 شركة من قطاعات مختلفة إلى خطة “هيما” لتشارُك الموظفين.

الشركات المستقبِلة لهؤلاء الموظفين في هذه الترتيبات تُحدد المهارات التي يتطلعون لها، ثم يتفقون مع الشركات التي تُشارك موظفيها على تحديد مدة التبادل، وكذلك تبعات الرواتب والاستحقاقات والتأمين.

وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 هذه وقت عصيب، إلا أنها قد تكون كذلك وقت الإبداع غير المسبوق، فإعادة صياغة الوظائف حول قيود البيئة الصعبة للأعمال التجارية اليوم قد تُسرِّع من مستقبل العمل، فتفتح المجال لطرق جديدة ومبتكرة لكيفية إنجاز الأعمال، ومكان إنجازها، ومن ينجزها.

أخيراً قد تساعدنا هذه الجائحة في بناء كفاءة ومرونة أكبر في مؤسساتنا، وفي مساعدة الناس على أن يعيشوا حياة أصحَّ وأدوم.

ترجمة: أريج القحطاني.

مراجعة: تركي طوهري.

تويتر: @turkeyaltohari

المصدر: https://hbr.org


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!