هل من الممكن أن تبرمج سعادتك؟

هل من الممكن أن تبرمج سعادتك؟

22 أبريل , 2020

يتكلم هذا المقال لسوزان كراوس المنشور في موقع “مجلة علم النفس اليوم” عن تدخل نفسي يسمى “أفضل نسخة ممكنة لذاتك” جاء في دراسة ألمانية لباحثين متخصصين في علم النفس وهذا التدخل أو التمرين يساعدك في التخلص من الإحباط والملل باستخدام بعض الحيل النفسية والأدوات المساعدة مثل التخيل الأفضل للمستقبل وتجاهل سلبيات الحاضر.

بقلم: د. سوزان كراوس

تمركزت أعمال باحثو السعادة على الفكرة الأساسية المتمثلة في أن علم النفس يحتاج لفهمٍ أفضل للعوامل التي تساعد الناس للشعور بشكل أفضل. بدلا من التركيز على الاضطرابات أو المشاكل النفسية فإن دراسات السعادة تسعى لاستخدام علم النفس الإيجابي باعتباره المرجع النظري لهذه الدراسات.

ومن واقع تجربتك الشخصية  فأنت تعلم أن الحياة تسير بشكل أفضل عندما تكون سعيدًا وليس العكس. فأنت تستيقظ في الصباح متحمسًا لتبدأ يومك ومركزًا على ما تود إنجازه. ولكن تتسلل إلى دماغك فكرة تذكرك بأن لديك مهام مزعجة تنتظرك في الساعات المقبلة. وبدلًا من ذلك؛ ربما تتذكر جدالًا وقع بينك وبين صديق مقرب لك في اليوم السابق يغمرك ندمًا وإحباطًا في داخلك. فأدى ذلك إلى تلاشي مزاجك الجيد وهبوط مستوى السعادة لديك.

ماذا لو استطعت تجاوز هذه المنعطفات الطارئة على مشاعرك الإيجابية وذلك بإبعاد تركيزك عن تلك الأفكار السلبية؟ الباحثون في علم النفس الإيجابي يقترحون بانه بإمكانك زيادة مستوى سعادتك بعدم التفكير في سلبيات ما يحدث  والتفاؤل -بدلًا من ذلك- بأن الأمور ستسير على ما يرام.

ما يسمى بتدخل ” أفضل نسخة ممكنة لذاتك ” هو تمرين بسيط تتصور فيه أفضل مستقبل ممكن لك. فبالتقدم خطوة للأمام بإمكانك أيضًا أن تعكف لبضع دقائق على كتابة ما ستعتبره أفضل حياة مستقبلية ممكنة. “الذات الممكنة المرجوة” -كما يشير إليه المصطلح- هو الإحساس بـ”من يمكن أن تكون” بدلًا عن “من أنت” في تلك اللحظة. وعلى الجانب السلبي فإن ما تخشاه هو الذات المتوجسة .

ووفقا لدراسة جديدة قام بها كل من جوانا بودو هيكرنيس وَ مايكل عيد من جامعة فراي في برلين في عام (2020) فإنه توجد أدلة معتبرة تشير إلى أن تدخل ” أفضل نسخة ممكنة لذاتك ” والذي تركز فيه على”الذات الممكنة المرجوة”، وُجد أن بإمكان ذلك الأمر أن يحسن من  شعور التفاؤل والأثر الإيجابي.

ولكن المؤلفين الألمان لاحظوا أن الدراسة التي تقيّم الفوائد على المدى البعيد لم تبدأ حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسات التي تقيس أثر هذا التدخل لم تقم دائمًا بتعريف المقاييس الخاصة بتقييم النتائج بمصطلحات دقيقة بما فيه الكفاية، كالتمييز بين التغييرات اللحظية في الأثر مقابل أثر التغييرات في الأسبوع الماضي. أضف الى هذه المشكلة أن الباحثين السابقين لا يقومون دائمًا بالتمييز بين الجوانب الأكثر دقة للنتائج الإيجابية كالرضا عن الحياة والتفاؤل والسعادة.

الغرض من دراسة “هيكرنيس” و”عيد” كان إجراء تقييم أكثر صرامة للمؤلفات والمعروفة باسم التحليل البعدي للنظر فيما لو كان تدخل “النسخة الأفضل لذاتك” بإمكانه أن يصمد أمام فحص أكثر دقة. ولتضمين التحليل البعدي فإن التدخل قد احتاج لأن يتضمن واجب خطيًا بدلًا من التخيّل وكان عليه أن يتضمن واجبًا عشوائيًا للعلاج ومجموعة تحكم نشطة ( والتي تساهم في مهمة كتابية مختلفة) .كان من الواجب أن تدخل “النسخة الأفضل لذاتك” هو الوحيد التي يجري اختباره،

 ولا يمكن أن يكون المشاركون مستقطبين من المجتمع الإكلينيكي . إن الإطار الزمني للمخرجات تطلب أن يكون محددا، والقياسات المستخدمة لتقييم أثر التدخل تطلبت أن تكون موثوقة وصالحة. قدم فريق البحث الألماني  عناصر تحكم أخرى كذلك مثل طول التدخل نفسه وما إذا كان المشاركون قد شاركوا في أي رؤى أو تجارب بصرية قبل أو بعد كتابة المهمة.

أسفرت نتائج الفحص الدقيق عن وجود 34 دراسة مستخدمة ( من بين 249 دراسة معتمدة) تشمل ما مجموعه 1840 مشاركًا تلقوا السيطرة النشطة وآخرون يقدر عددهم بنحو 787 كانوا تحت تأثير تدخلات مختلفة من المحتمل أن تهدف إلى تحسين الرفاهية. (  كما هو في تمارين الامتنان). كان معظم المشاركين من النساء بنسبة بلغت ( 77%) وتراوحت أعمارهن ما بين 18-51 سنة (بمتوسط 27 سنة).

بعد تحليل ما يسمى بـ ” حجم التأثير” المتاح  أو قوة فعالية التدخل، خلص المؤلفون – فعلًا- إلى وجود أثر قابل للقياس. التأثير-مع ذلك- لم يستمر مع مرور الوقت. لم يتغير مستوى سمة التفاؤل لدى الناس بعد التدخل ولا مستوى السعادة النموذجية لديهم.

وخلص المؤلفون إلى أن ‘الحث على النظرة المتفائلة يشجع المشاعر الإيجابية’ ، وهو استنتاج يتماشى مع منهج عملية فهم المشاعر. وفقًا لهذا الرأي، فإنه بإمكانك ضبط مشاعرك عن طريق تغيير نظرتك للأمور. على غرار دراسات أخرى تظهر فوائد لمثل هذه التدخلات على العاطفة  كتوكيدات ذات إيجابية، فتدخل ” أفضل نسخة ممكنة لذاتك ” -وحده- ليس من شأنه أن يغير حياتك إلى الأبد0 ومع ذلك، إذا تم تطبيقه بشكل صحيح فيمكنه أن يساعدك للشعور بشكل أفضل ربما لمدة أسبوع. ولكن لن يكون بإمكانك تجربة الشعور بـ (التغير الدائم في الرفاهية) ” صفحة 20″ وهذا ما ادعاه بعض المؤيدين بشأن هذا الإجراء.

وفي ضوء لهذه النتائج المختلطة، كيف يمكن لك أن تستغل هذه الصدمة اللحظية في سعادتك والتي يمكن للتدخل الذاتي الإيجابي أن يحفزها؟ في المقام الأول لاحظ المؤلفون بأنك تحتاج لأن تأخذ الأمر على محمل الجد وأن تشارك بما فيه الكفاية في هذا النشاط. مجرد تصورك بأن حياتك في طريقها للتحسن عندما تستيقظ في الصباح مرورًا بروتين الحياة اليومية دون التفكير مليًا في الأمر؛ لن يخفف أثر المزاج السيء الذي تعاني منه.

التدخلات عبر الانترنت لم تعط نفس الفوائد المكتسبة من التجارب باستخدام العلاج الشخصي بالمقابلة وجها لوجه ويظن المؤلفون أن ذلك كان لصعوبة اندماج المشاركين بشكل كامل بهذا التمرين في حال انعدام وضعية المقابلة وجها لوجه. يعتقد المؤلفون أن الخيال قد يكون مساعدًا لتعزيز التمرين الكتابي، ولكن يجب أن تكون قادرًا على إقناع نفسك أن ” أفضل نسخة ممكنة لذاتك ” يمكن في الواقع تحقيقها.

يبدو من الواضح أنه مع وضع هذه المؤهلات في الاعتبار، هناك فوائد لمزاجك في اللحظة التي تأخذ فيها وقتك لترى نفسك قادرا على انجاز اهدافك وتخطي عقباتك الحالية. حتى وإن كان هذا التأثير يعمل لمدة أسبوع -كما اقترحت الدراسة الألمانية- لا يوجد شيء يمنعك من الانخراط فيه مرة أخرى بعد أن يبدأ مزاجك في الانحدار إلى الأسفل.

هذه المشاعر الإيجابية المتزايدة قد تساعدك أيضًا على أن تصبح أكثر نجاحًا في ما تحاول تحقيقه حتى خلال تلك الفترة القصيرة من الزمن. سيستجيب الآخرون لك بإيجابية أكثر وهذا بحد ذاته سيساعدك على الشعور بشكل أفضل تجاه الحياة.

والخلاصة:

من المهم أن تنظر بعناية إلى أي بدعة جديدة حسنة  قد تبدو أنها تقدم شيئًا لتحسين سعادتك. في حال أنك تحلم بـ “أفضل نسخة ممكنة لذاتك“، -ويبدو أن البحث يدعم فوائد ذلك- إن لم يكن ذلك على المدى الطويل، فسيكون لأجل مستويات إنجازك الحالية.

ترجمة: أحمد بن خالد بن عبدالرحمن الوحيمد

تويتر: @AhmadBinKhaled

مراجعة و تدقيق: عبدالرحمن الخلف

تويتر: @alkhalaf05

المصدر: https://www.psychologytoday.com


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!