هل يجعلك الجوع أنانياً؟

هل يجعلك الجوع أنانياً؟

18 ديسمبر , 2019

هل الإجابة على هذا السؤال بـ (نعم)؟ إذا كان كذلك فما السبب؟

إن الإحساس بالجوع هو من أقوى الأحاسيس التي نشعر بها، ويمكن أن يوثر على الكثير من مشاعرنا وأفكارنا وسلوكياتنا حتى لو كان جوعًا خفيفًا، ولكن كيف يؤثر على سلوكياتنا الاجتماعية؟ وهل يجعلنا أنانيين؟

المدهش بأن هذا السؤال لم يحظَ إلا بقليل من الاهتمام التجريبي، ولم يتضح بعد ما إذا كان هنالك أثر قوي ودائم أم لا؛ لذا قمت بتبني سلسلة مؤلفة من أربع دراسات مع مجموعة من الباحثين، استخدمنا فيها العديد من الإجراءات والطرق المختلفة.

اتضح من خلال النتائج أن الجوع لا يجعلك أنانيا بشكل دائم، ولكن تبين أن الأمر مرتبط بعضه ببعض، حيث يوجد تأثير صغير في الوضعية التي تعطي فيها شخصًا ما شيئًا ما ولكنك لا تأخذ منه شيئا بالمقابل، فكذلك هو الحال بالنسبة للجوع الذي يقلل من المقدار الذي تعطيه “بعض الشيء”، ولكن في وضعيات الترابط والتي يمكن فيها للشخص أن يؤثر على مخرجات الآخر (في الوضعية التي قد تعطي فيها وتأخذ) نجد بأن تأثير الجوع على السلوك الاجتماعي الإيجابي غائب بشكل فعلي.

تم استخدام العديد من المناورات المختلفة في هذه التجارب، كانت أقواها عندما قام المشاركون في الدراسة بالتوقف عن الأكل لمدة أربع عشرة ساعة قبيل الدراسة، وحين وصولهم تم تزويد نصف المشاركين بمأكولات ومشروبات تحتوي على اثنين وأربعين جرامًا من السكريات، بينما لم يُعطَ النصف الاخر منهم أي شيء حتى يتمكن الجوع منهم ويكونوا في وضع تحت السيطرة، ظهر أثرُ هذا بالطبع على مستوى الجلوكوز بالدم في المجموعتين، ولكنه لم يؤثر على سلوكياتهم الاجتماعية الإيجابية، وتساوت المجموعتان تقريبًا في السلوكيات الاجتماعية الإيجابية التي قيست من خلال ثلاث مهام من أصل أربع صممت من أجل اختبار السلوكيات الاجتماعية الإيجابية للمشاركين   

كما أننا قمنا بسؤال الأشخاص عن رأيهم فيما قد يحدث في مثل هذا الدراسة، والمدهش أن معظم الأشخاص توقعوا بأن الجوع يجعل الناس أكثر أنانية، وبهذا تكون آثار الجوع مبالغ فيها، بينما الغالبية العظمى (79%) لديهم اعتقاد سائد يجزم بأن الجوع يجعل الأشخاص أنانيين.

لماذا يتمسك الأشخاص بمثل هذا الاعتقاد؟

هذا الأمر قد يكون منشأه المبالغة في تقدير قوة المصلحة الذاتية، فقد كشف بحثُ سابق بأن الأشخاص يعتقدون بأن البشر ينقادون بواسطة المصلحة الذاتية، ولا تقودهم الأهداف النبيلة كمساعدة الآخرين، وتحقيق العدالة، وتشارك المصالح.

ويبدو أن المبالغة في تقدير المصلحة الذاتية له تأثيرات قوية وواسعة الانتشار، فيعتقد أكثرنا أن البشر تقودهم المصلحة الذاتية، ولكن الأكثر من ذلك بأنهم يعتقدون بأن (النفس الأنانية) الحقيقية ستكون ظاهرة ومنتصرة عندما تكون المخاطر عالية، أو عندما يكونون في حاجة- كما هو الحال عند شعورهم بالجوع- وقد يعتقد الأشخاص بأن المصلحة الذاتية هي الوحيدة والمحفز الوحيد عندما يواجهون المخاوف الأخرى كما هو الحال عندما تكون المصادر محدودة خلال الحروب أو بعد حدوث الكوارث الطبيعية.

السؤال هو هل الأنانية في نهاية المطاف فكرة صحيحة؟

توضح الدراسة على الجوع بأنه حتى في حالة الخوف يركز الأشخاص على من حولهم من الناس كأفراد العائلة والأصدقاء، وربما المجتمع المحيط بهم، هناك بحث يوضح بأننا قد نرى في أنفسنا نموذجًا قويًا متشكلًا في سلوكيات أنانية وسلوكيات تعاونية قوية أيضًا في أوقات المشاكل والخوف، خصوصًا تجربة المصير المشترك كمخاطر الكوارث الطبيعية أو العدو المشترك والذي قد يقود إلى محبة الناس ومساعدة بعضهم البعض.

ولكن لمَ يفكر معظمنا بأن البشر وبكل بساطة ذاتييّ المصلحة؟

إن السبب الأهم هو أن معظمنا يستخدم مقولة: (الحذر أفضل من الندم) وليس بالضرورة أن تكون نتيجة ذلك هي أفضل المتاح، فاعتقاد أن الآخرين هم أنانيون بالفطرة قد يدعم تصرفاتنا (الأنانية) لكي نقوم بالدفاع عن أنفسنا، حتى لا نتعرض للاستغلال، ونستطيع أن ننتفع من تلك التصرفات الأنانية، وبعد كل هذا فإن البشر ينفرون من المخاطر، وهذا الأمر يدفعهم لسلوك الطرق الآمنة، وهذا الأمر معقول وينصح به في بعض الأحيان، ولكن الاعتقاد بأن معظم البشر أو كلهم لديهم سلوكيات أنانية له عواقب سلبية أيضا، فالتفكير يعتبر ملكة عقلية تقود للمضي قدمًا والحصول على كثير من الفرص والتبادل المثمر كما ورد سابقا، فإذا تواصلت بثقة وزودت الأشخاص ببعض المنافع المتأتية من الظنون والشكوك فإنك على الأرجح ستستقبل وتبني وتحافظ على ثقتهم، وهذا الأمر ضروري وأساسي لتطوير العلاقات التعاونية مع الآخرين من حولك.

وكما يعلم الكثير أن جودة التواصل الاجتماعي – كوجود صداقات – مرتبط وبقوة بالصحة وطول العمر، فنحن وببساطة نعيش حياة صحية ومريحة أكثر عندما نحاط بأشخاص نحبهم ونثق فيهم، فنحن كائنات اجتماعية، حتى لو آمنا بالمصلحة الذاتية فإنه من غير المرجح أننا سنشرع في تطبيق هذه النظرية أوتوماتيكيا على بعضنا البعض وعلى كل شخص نقابله، فقليل من الإشارات الإيجابية الصغيرة قد تكون إيجابية.

وفي نهاية المطاف فإن الملكة العقلية التي من خلالها نقوم بتزويد الآخرين فيها ببعض المنافع من الشكوك والظنون تزيد من الفرص لتكوين صداقات يمكن الوثوق بها، وهؤلاء الأصدقاء هم تماما الذين يمكننا الاعتماد عليهم في وقت الحاجة وربما في أوقات الجوع أو الخوف.

ترجمة: أحمد بن خالد بن عبدالرحمن الوحيمد

تويتر: @AhmadBinKhaled

مراجعة: افراح السالمي

Twitter: @fara7alsalmi

رابط المصدر: https://www.psychologytoday.com


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!