كيف تتعامل مع من يرى أنه  الخبير في كل شيء؟

كيف تتعامل مع من يرى أنه الخبير في كل شيء؟

15 ديسمبر , 2019

هناك من يدعي المعرفة والخبرة في أي موضوع ،أو موقف يمر عليه بغض النظر عن امتلاكهم لشهادات موثوقة ،وفي هذا المقال يتكلم عن “النرجسي الخبير”.

دراسة توضح كيف يقدم النرجسي ما يسميه بـ” نصيحة خبير”:

قد تعرف شخصا يدعي دائما أنه ” خبير ” في أي موضوع أو موقف ، وقد تجوب في رحلة بحرية رائعة كانت بالنسبة إليك أروع ما تكون ، فتندهش لما يقوله جارك الجديد  عندما تسرد إليه أبرز محطاتك فيها ؛ ففي رحلته التي قام بها مؤخرا إلى نفس وجهتك ضمن شركة خاصة باهظة التكاليف يعبر بوضوح على أن رحلته كانت من الدرجة الأولى ، وكيف أنك أيضا نسيت أهم جوانب الرحلة التي كان بإمكانك القيام بها أثناء زيارتك لهذه الأماكن المذهلة. ولجعل الأمور أسوأ فإنه يذكر لك بأن جائحة قد أصابت جميع أسطول شركة الملاحة التي سافرت فيها ، وأنك محظوظ لأنك لم تصب بها.

وهناك من الناس مدعي الخبرة من يقحم نفسه أيضا في مواقف يكون فيها علمهم مفيدا بزعمهم، بغض النظر عن امتلاكهم لشهادات موثقة أم لا. وقد تعرف شخصا لا يتحدث حديثا إلا وينمقه بعبارات تبدأ ب” في الحقيقة ” أو ” أنا أعرف ” أو ” دعني أخبرك ماذا يحدث فعلا ” ، فهو يتحدث بثقة ، أو كما يبدو ذلك ، مهما كان موضوع النقاش . وعلاوة على ذلك فإن لغة جسده تظهر عدم حرجه من التعبير عن حكمته العميقة في الموضوع.

إن الأشخاص الذين يشعرون بحاجتهم لإظهار خبرتهم في مختلف المواضيع والمواقف قد تكون لديهم درجة عالية من سمات النرجسية المتباهية ، أي أنهم يرغبون بالظهور على نحو يفوق الآخرين بطريقة متغطرسة بفضل السلطة التي يزعمون استحقاقها . وعلى النقيض من النرجسي المتباهي ، عادة ما يكون للأشخاص النرجسيين الذين ينخفض لديهم  عنصر الضعف ثقة منخفضة بأنفسهم ، ولذا فإنه يحتاج استخدام وسائل دفاعية مختلفة لتغطية نقطة الضعف هذه حتى لا يراها الآخرون.

وبحسب سامانثا داشينو وزملائها في جامعة فيلانوفا (2019) ، فإنه بالرغم من أن النرجسي المنغلق لا يميل إلى التباهي ، إلا أن الناس التي تكون هذه الصفة لديهم عالية تكون لديهم نفس حاجة النرجسي المتعالي في المحافظة على ” صورة إيجابية للذات من خلال إثبات وتعزيز الذات واستخدام الوسائل الدفاعية ” ( ص. 473) . قد يكون التباهي محاولة لإبهار الآخرين لكنه – وبنفس الأهمية – يمكن أن يكون جزءا من الصورة الأكبر لمحاولة الشخص إبهار نفسه . إذا ، فإن هؤلاء الخبراء المزعومين لا يريدون من الآخرين فقط الاحتفاء بثروتهم المعرفية ، وإنما يريدون إقناع أنفسهم بذلك أيضًا.

وكما أنك تنزعج من الأشخاص المستعرضين بنصائحهم خبرتهم للتباهي بها ، فإن معظم الناس  ينزعجون ممن لديهم درجات عالية من النرجسية ، مما يعيق إمكانية حصولهم على الحب والتقدير . أظهر باحثون سابقون بأن مصير العلاقات الشخصية للنرجسيين غالبا ما يكون كئيبا ، فقد يبدو هؤلاء الأشخاص الذين يملكون ثقة عالية بأنفسهم جذابين ومشرقين عند أول لقائك بهم ، تماما كما يبهرك ما يطلق عليهم بالخبراء بعلمهم الغزير ، إلا أنه لن يمضي وقت طويل حتى يبلى تعجرفهم ولا ترغب بسماع المزيد من خبرتهم المزعومة . وكما لاحظ فريق جامعة فيلانوفا ، فإن النرجسيين الذين لديهم  درجات عالية من النرجسية يعانون من مشاكل كبيرة في العلاقات الشخصية ، من ناحية بسبب ميولهم الاستبدادية التي يمكن أن تكون مخضبة بحب الانتقام . ربما صادفت أنت نفسك إحدى هذه المشاكل عندما قررت ألا تأبه بنصائح هؤلاء المدعين رغبتهم في نفعك من أعماق قلبهم.

وكما يمكنك أن تتصور ، فإن النرجسيين من النوع المتعالي لديهم مجموعة من المشاكل في العلاقات الشخصية التي تختلف عن النرجسيين من النوع قليل الثقة بنفسه المليء بالشكوك والتذبذب . تصور الآن لو أن صاحبك ” خبير” السفريات يحاول صدقا أن يقدم لك أفضل نصيحة ممكنة ، لكنه يقوم بذلك رغبة في الظهور كشخص مطلع لا كشخص استبدادي متحكم ، ستشعر بصدقه في محاولته مساعدتك ، لكنه يفعل هذا بطريقة تشبع حاجته في الظهور كشخص مطلع لا لجعلك تبدو قليل الاطلاع . ولسوء حظه ،فإنه يفعل هذا بطريقة تحدث تأثيرا معاكسا لما قصده ، مما يدفعك لتخليص نفسك من الموقف بأسرع وقت ممكن وتجنبه بقدر المستطاع ، حتى أنك قد تشعر بالانزعاج قليلا لظهوره كالمستجدي للتقدير.

وتعتقد داشينو وزملائها ، فإن عنصر الضعف في الحقيقة هو الذي يكمن وراء الخلل في علاقات الناس التي تظهر نرجسيتهم لتصل إلى مستويات مرضية . ولاختبار هذا الافتراض استعان المؤلفون بعينة من 288 من البالغين المنومين حاليا أو مؤخرا في المستشفى ( معدل عمرهم 43 ، 64% منهم نساء ) لملء استبيانات لتقييم النرجسية المرضية ودرجة الخلل في العلاقات الشخصية والأداء النفسي الاجتماعي ومشاكل العلاقات الشخصية . بينما تضمن عنصر التعالي في النرجسية المرضية مقاييس لتقييم الاستغلالية ووهم العظمة وتعزيز الذات . قيست نقاط ضعف النرجسية بمقاييس قيمت الثقة الشرطية  بالنفس ( وهي الحاجة للشعور بمحبة الآخرين للشعور بالثقة بالنفس ) وإخفاء نقاط الضعف  و” غضب الشعور بالأفضلية ” ( وهو الشعور بالحنق عند عدم التقدير ) و الانتقاص . كما  ذكر المشاركون مدى  رضاهم العام عن حياتهم ،و قدروا نسبة رغبتهم بالانتحار خلال الشهر الماضي . وكما ترى إذا ، فإن تقييمات النتائج هذه كانت تقييمات شاملة توضح طيفا واسعا من الخلل في الحياة اليومية.

وبالرغم من أن مقاييس النرجسية المتعالية والضعيفة قد تبدو وكأنها تلامس صفات منفصلة ، إلا أنه يمكنك  حتى بمجرد قراءة وصف المقياس  أن ترى كيف أنها تتداخل ، فالنرجسي المتعالي يعبر حتما عن حنقه لعدم تلقيه معاملة خاصة ، وهو مقياس يستخدم لحساب  النرجسية الضعيفة . ولاختبار تأثير هاتين الخاصيتين النرجسيتين ،فقد تحكمت داشينو وزملاؤها بتداخلهما إحصائياً . وقد أظهرت النتائج بشكل قد يكون مفاجئا بأن النرجسية المتعالية وحدها دون وجود عنصر الضعف لم يكن مرتبطا بأداء أضعف ، بل ارتبط على العكس برضى عالي عن الحياة ومشاكل أقل في  العلاقات الخاصة المعّرفة ذاتيا . وعلى العكس من ذلك ، فإن عنصر الضعف في النرجسية ارتبط بظهور عقبات  على نطاق واسع  من الأداء النفس اجتماعي.

استنتجت داشينو والآخرون إذا – من ناحية  عملية – أن جوهر الضعف في النرجسية هو الذي قد يدفع الناس لطلب العلاج عند انحدار حياتهم الخاصة ، بينما لا تكون لدى النرجسيين من النوع المتعالي الخالص نفس المستوى من القصور في حياتهم ، أو أنهم لا يلاحظون ذلك ، وكما ذكر المؤلفون فإنهم لن يطلبوا العلاج إلا عندما ” يكونون في حالة ضعف ” ، وحسب كلامهم أضافوا ” إن جانب الضعف- إلى جانب الخصائص المشتركة بين التعالي والضعف -هو الذي يؤدي غالباً إلى الخلل”.

وبعودتنا إلى حالة الخبراء المزعجين في حياتك ، فإن نتائج داشينو والآخرون تنصحك بأن تأخذ بعين الاعتبار المنبع الكامن لنصائحهم التي يقدمونها . حتى وإن دفعهم ضعفهم إلى المبالغة في تقديم المساعدة ، فإن منبع هذا يكمن في إحساس داخلي بالضعف والنقص . وكطريقة للتعامل مع مثل هذه المواقف ، يمكنك أن تحاول إبعاد مشاعرك ولا تبالغ في ردود أفعالك ، كما يمكنك أيضاً أن ترى من خلال  قشرة خبرتهم المزعومة أن لديهم بعض الملاحظات المفيدة التي يرغبون بتقديمها فعلاً.

وخلاصة الأمر ، فإن هذه النتائج تدعم أعمالاً سابقة توضح الحاجة للنظر إلى النرجسية من منظور تجريبي لاختبار عناصرها المشتركة والخاصة . وكما ذكر المؤلفون ، فإن الناس الموجودين في حياتك التي تؤدي عيوبهم الجوهرية إلى سلوكهم المتعالي والمتسلط لا يتحتم عليهم قضاء حياتهم في خلل  إذا عالجوا ذاك الشعور الداخلي بالضعف.

المترجم: ديمة حنون

تويتر: @dhanoon3  

المراجع: نجلاء أحمد.

المصدر:www.psychologytoday.com


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!