الملخص: بداية اختراع طرق انتزاع الكافيين من حبوب القهوة، كما يشرح المقال الطرق الحديثة المستخدمة.

قصة القهوة منزوعة الكافيين بدأت مع يوهان فولفغانغ فون غوته (Johann Wolfgang von Goethe)، ولم يدرك ذلك.

كان غوته صاحب المسرحية التراجيدية “فاوست” أحد أشهر كتاب ألمانيا، ولكنه انغمس قليلًا في عالم العلوم الطبيعية، ففي عام 1819 قابل غوته الكيميائي فريدليب فريديناند رانج (FriedliebFerdinand Runge) والذي كان وقتها يتحدث عن قدرة خُلاصة نبتة عنب الثعلب المُميتة على توسيع بؤبؤ عين القطط. كان غوته متعجباً فناول رانج صندوقًا صغيرًا يحتوي على حبوب قهوة من اليونان، وحير الكيميائي بالسؤال الذي طرحه وهو: لماذا تبقيه هذه الحبوب مستيقظًا حتى وقت متأخر من الليل؟

بعد سنتين أصبح رانج أول عالم نزع الكافيين وعرَفه. (لن يستنكر الأشخاص الذين يتأثرون بشدة من كوب قهوة مركزة إذا عرفوا بأن مكتشف هذه المادة المُحفزة مولع بالعبث مع المواد المُميتة، ولطالما أطلق عليه زملاؤه وطلابه لقب “daktor gift” وتعني دكتور السموم بالألمانية)

وفقًا لمعهد ماغس بلانك، استغرق العلماء 100 سنة أخرى بعد اكتشاف رانج حتى اكتشفوا كيفية نزع الكافيين من القهوة مع محافظة القهوة على مذاقها الخاص.

المذيبات الكيميائية، ثاني أكسيد الكربون والماء:

تعد اليوم عملية نزع الكافيين عملية دقيقة تُجرى في مصانع مختصة.

صرح دايفيد كاستيل (David Kastle) للايف ساينس، وهو نائب رئيس شركة سويس ووتر ديكافينايتيد كوفي (Swiss Water Decaffeinated Coffee) والتي مقرها كندا: “هناك بعض من شركات القهوة الضخمة التي تمتلك مصانع نزع الكافيين الخاصة بها، ولكن خلف هذه المجموعة القليلة العديد من الشركات التي إما تتعاقد مباشرةً مع شركات لنزع الكافيين أو تتعاقد مع شركات مستورد”.

بشكل عام فإن عملية نزع الكافيين تتضمن وضع حبوب القهوة في الماء وهي لاتزال خضراء (قبل التحميص) حتى تتشبع به، وعندها سيصبح الكافيين الذي بداخلها قابلًا للذوبان بحيث يمكننزعه. وعلى كل حال، فإن هناك العديد من الطرق الأخرى لنزع الكافيين من حبوب القهوة.

إن أول عملية ناجحة تجارياً لنزع الكافيين اخترعها تاجر القهوة الألماني لودفيج روزيليوس(Ludwig Roselius) عام ١٩٠٥، ووفقًا لمجلة أتلاس أوبسكيورا (Atlas Obscura) فإن هناك عدة أقاويل تقول بأن أصل عملية نزع الكافيين حدثت عندما استلم روزيليوس شحنةً من حبوب القهوة المنقوعة في ماء البحر وبدلاً من تصفيتها من الماء قرر روزيليوس تذوقها، عندها اكتشف بأن القهوة جُردت من الكافيين ولكنها احتفظت بمذاقها على الرغم من ملوحتها قليلاً.

اكتشف روزيليوس لاحقًا بإمكانية استخدام البنزين – مادة كيميائية كانت تستخدم ذلك الوقت في صناعة مزيلات الدهان ومنتجات ما بعد الحلاقة – كمذيب لإزالة الكافيين من حبوب القهوة. وكانت شركته “كافي اتش اي جي” (kaffee HAG) أول شركة لإنتاج القهوة منزوعة الكافيين سريعة التحضير، وباعتها شركة جنيرال فوودزGeneral Foods) ) باسم سانكاSanka) ) في الولايات المتحدة الأمريكية وكانت تعد السلعة منتصف القرن العشرين الرئيسية – بل وأصبحت كلمة مجازية (ففي فيلم فاست تايمز آت ريدجمونت (Fast Times at Ridgemont High) الصادر عام ١٩٨٢ توسل معلم الأحياء إلى طلابه قائلًا: “أشعر بالتعب قليلًا اليوم، لقد بدأت بشرب سانكا، أرجوكم ارحموني”.

لاحقاً تم استبعاد البنزين من عملية نزع الكافيين من القهوة نظرًا لكونه مسرطنًا، وبدلاً من استخدامه أصبحت الشركات تستخدم مواداً أخرى على رأسها أسيتات الإيثيل وكلوريد الميثيلين. كذلك فأن هناك شكوكاً أيضاً حول استخدام كلوريد الميثيلين، وذلك لأن التعرض لكميات كبيرة منه قد يكون سامًا وقد يؤدي إلى تلف الجهاز العصبي المركزي إلا أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكيةأقرت بأن استخدام مقدار ضئيل جدًا منه في القهوة منزوعة الكافيين لا يدعو للقلق لكن مع تجنب ترسب كمية أكثر من ٠,٠٠١٪؜ فإن ذلك يعد محظوراً.

استخدمت في ألمانيا طريقة أخرى أيضًا لنزع الكافيين من القهوة وكانت مصادفةً نوعًا ما. بينما كان يتعامل الكيميائي كورت زوسيل (Kurt Zosel) مع الدرجة الحرجة لثاني أكسيد الكربون في معهد ماكس بلانك (Max Planck) لأبحاث الفحم في منطقة روهر (Ruhr)، اكتشف بأن تسخين الغاز يجعله تحت ضغطٍ عالٍ وبالتالي يصل الغاز إلى الدرجة الحرجة وعندها يمكن استخدامه لفصل المواد الكيميائية المختلفة- ومنها فصل الكافيين عن القهوة وذلك بضخ ثاني أكسيد الكربون داخل حبوب القهوة.

حصل الكيميائي زوسيل على براءة اختراع عام ١٩٧٠ على الطريقة التي اخترعها لنزع الكافيين والتي لازالت تستخدم على نطاق واسع اليوم. ووفقًا لوكالة إن بي أر الإعلامية (NPR)، فإنه يمكن إخراج الكافيين الخام أثناء عملية نزع الكافيين عندما يصل ثاني أكسيد الكربون إلى الدرجة الحرجة، وهي الطريقة المستخدمة في صناعة المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة وغيرها من المنتجات. 

كذلك فإن هناك طريقة تجارية أخرى استخدمت أيضًا في السبعينيات الميلادية، تعرف بالعملية السويسرية لنزع الكافيين باستخدام الماء. شرح كاستيل آلية هذه العملية والتي تبدأ بأخذ مجموعة من حبيبات القهوة الخضراء ثم غمرها في الماء. بعد ذلك سيصبح الماء مشبعاً بالمواد القابلة للذوبان الموجودة في القهوة- وتتضمن حمض الكلوروجينيك والأحماض الأمينية، وسكر القصب، ثم يصفى الكافيين خارجًا مع الكربون. يعرف هذا السائل الخالي من الكافيين بخلاصة أو مستخلص القهوة الخضراء، بعد ذلك تضاف الخلاصة إلى مجموعة من حبوب القهوة الخضراء الرطبة التي لاتزال محتفظة بالكافيين. يقول كاستيل سينتقل الكافيين من حبوب القهوة إلى خلاصة القهوة الخضراء للوصول إلى حالة من التوازن بين حبوب القهوة الجديدة ومستخلص القهوة الخضراء، إلى أن تصبح حبوب القهوة خالية من الكافيين بشكل كامل تقريباً.

من الصعب معرفة أي عملية استخدمت في صناعة قهوتك الخالية من الكافيين، وذلك وفقًا لمنظمة كونسيومر ريبورتس (Consumer Reports)، وذلك لأنه لا توجد قوانين معينة تفرض على الشركات توضيح ذلك.لكن بعض الشركات تسوِّق لنفسها عن طريق الإفصاح عن الأساليب التي تتبعها في نزع الكافيين (مثال شركة بلو بوتل (Blue Bottle) الراقية مثلًا والتي تتفاخر باستخدامها للطريقة السويسرية لنزع الكافيين بالماء).

قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بأن القهوة منزوعة الكافيين تحتوي على مقدار ضئيل من الكافيين، ونبهت المستهلكين بأن ٨ أونصة من كوب القهوة منزوعة الكافيين يحتوي تقريبًا على من ١٢ إلى ١٥ ميليجرام من الكافيين. لكن ما يزال ذلك يعد كمية ضئيلة مقارنة بالقهوة العاديةالمحتوية على الكافيين والفرق هو أن الكمية ذاتها من القهوة العادية تحتوي على ما يقارب من ٨٠ إلى ١٠٠ مليجرام من الكافيين.

ترجمة: روان الرفاعي
مراجعة : عبداللطيف الرباح

المصدر: ?How Is Decaf Coffee Made