هل بالإمكان تعليم الحاسوب الإبداع

هل بالإمكان تعليم الحاسوب الإبداع

14 فبراير , 2018

 

ملخص: يُعرّف الإبداع بأنه القدرة على الصنع أو استحداث كل ما هو جديد، سواء كان هذا الجديد هو حل لمشكلة ما أو منهج مُبتْكر أو جهاز حديث أو شيء من الفنون المبتدعة. لكن عملية اختصار هذا التعريف ضمن سطور برمجية ومن ثم وضعها في الحواسيب حتى تدرك معنى الإبداع وتستخدمه، هو من التحديات التي يواجها علماء اليوم. إلا أن باحثين من شركة أبل أتوا بخوارزميات تُمكّن الحواسيب من تعليم بعضها كيفية إدراك الأنماط وهذا الإدراك يعد بوابة الذكاء الاصطناعي نحو الإبداع.

 

لا يعتبر الإبداع أمراً هيناً فنحن نجتهد في غرس الخيال عند الأطفال وتحبيبهم في صنع تصوراتهم الخاصة. وهي مسألة لا تنتهي هنا، فمشكلة المحافظة على هذه الصفة تتفاقم مع تقدمنا في العمر. ولكن ما هو التعريف الدقيق للإبداع؟ وهل له قوانين من الممكن صياغتها؟ هل هناك من معادلة تعكس معناه؟ وهل من الممكن تعليمه للحواسيب؟ تلك أسئلة فلسفية قد يجيب عليها المختصون في مجال الذكاء الاصطناعي بسبب ما وصلت إليه أبحاثهم من نضج وتطور. وحتى نكون واضحين من البداية، فإن ما نعنيه بالذكاء الاصطناعي هنا لا يعني أن روبوتات تشبه البشر سوف تجول في شوارعنا، بل إن ما نقصده تحديداً هو علم وهندسة ومن المحتمل فن تعليم الحواسيب إدراك الأنماط المختلفة.

 

وقد حاول معظم الباحثين حل معضلة تعلم الإبداع عن طريق محاكاة طريقة تعلم البشر وذلك من خلال صياغة ذلك السلوك البشري ضمن رموز برمجة الحاسوب. إلا أن البشر عموماً يتعلمون عن طريق تكرار مشاهدتهم لنمط ما، فالطفل قد يشاهد العديد من السيارات إلى أن يصل في النهاية لاستنتاج أن هذا النمط المكرر من العجلات والنوافذ يمثل السيارة. ولو طبقنا مثال السيارة برمجياً فذلك يعني بناء نموذج حاسوبي يراقب صور السيارات حتى يتمكن من إدراك وجود نمط من البكسل pixels يمثل العجلات والنوافذ من الممكن تعريفه بأنه سيارة. وبينما يحتاج البشر لتكرار يَسِير من نمط ما لإدراكه، فإن الذكاء الاصطناعي قد يحتاج إلى الآلاف بل ربما مئات الآلاف من الصور حتى يتمكن من التعرف على عناصرها بصورة دقيقة. وهو الأمر الذي يتطلب مقداراً هائلاً من المواد التعليمية تدعى في مجال الذكاء الاصطناعي بيانات التدريب. ويعتبر إنتاج مثل تلك البيانات من أكبر العوائق التي تواجه صناعة النماذج الحاسوبية المطلوبة، ولحل تلك المعضلة تحتم على البشر بأن يستعينوا بسلاح إبداعهم.

 

والخبر هنا هو في قيام مجموعة من الباحثين في شركة أبل Apple (نعم هي ذات الشركة صاحبة الهاتف الشهير) باختراع طريقة جديدة تُمكّن الحواسيب من إنتاج بيانات التدريب التي يتطلبها تعليمهم. كان الهدف الرئيسي للباحثين هو إنشاء برنامج قادر على تمييز الجهة التي تنظر لها العين البشرية. إلا أن تدريب مثل تلك البرامج يتطلب عددا ضخما من صور العيون البشرية وهي تنظر لمختلف الاتجاهات. فكان الحل باستخدام تقنية تدعى قانز GANs (شبكات مولّدة للجدل Generative Adversarial Networks) والجدل هنا مصدره التجادل أو التنافس بين ذكاءين اصطناعيين بهدف إنتاج بيانات الصور المطلوبة.

 

استعارت تقنية قانز في بدايتها تجربة فكرية تدعى الشرطة واللصوص من مجالي الاقتصاد ونظرية الألعاب والتي يمكن اختصارها بالتالي: تكون مهمة اللصوص في هذه التجربة طبع الأموال المزيفة ومهمة الشرطة هي التحقق من صحة هذه الأموال. لا يكون في البداية لدى الشرطة الوسائل الكافية للتفريق بين المال الحقيقي والمزيف، لذلك تصادق الشرطة على معظم ما يعرض عليها. لهذا يكون اللصوص في راحة تامه فليس مطلوب منهم سوى طبع المزيد من المال المزيف من خلال طابعة منزلية بسيطة. ولكن مع تحسن تقنية الشرطة في كشف التزييف بسبب كثرة ما يعرض عليها، يكون لزاماً على اللصوص تطوير تقنيتهم والحصول على أجهزة طباعة أكثر تطوراً. عندها تتحسن التقنية لدى الطرفين فيصبح لدى اللصوص القدرة على طباعة الأموال بدقة عالية يعجز معها معظم الناس عن التفريق بينها وبين النسخ الأصلية ما عدى الشرطة التي بحوزتها أحدث الأجهزة الكاشفة للتزوير.

 

 

وهذا هو المبدأ التقني ذاته الذي تعمل عليه الشبكات المولدة للجدل في الذكاء الاصطناعي، فهناك شبكة ذكاء اصطناعي تدعى المُوَلِّد مهمتها ببساطة هي توليد الصور. ويكون هذا المُوَلِّد في أولى مراحل تعلمه بسيطاً جداً لذلك يولد صورا تشوبها الدقة فتبدو كأنها صورة صادرة من تلفاز قديم. وعلى الطرف النقيض هناك شبكة المقرِّر والتي مهمتها هي التحقق من صحة الصور التي أنتجها المُوَلِّد، وتكون شبكة المقرِّر ضعيفة التفحص في البداية لذلك توافق على صحة بعض الصور السيئة. ثم يبدأ المُوَلِّد بالتحسن التدريجي في توليد الصور حتى لا ينكشف زيف ما ينتج، فيتطور عمل المقرِّر أيضاً في عملية كشف الصور سيئة التوليد. وبعد تكرار عمليات التوليد والكشف، تصبح الشبكة ككل جيدة في إنتاج الصور. وفي مثالنا عن الباحثين في شركة أبل، تمكنت شبكتهم من إنتاج صور لعيون بشرية تبدو كأنها حقيقية وهي تنظر إلى العديد من الاتجاهات. ربما يكون الاعتقاد بان الإنسان تمكن من تعليم الحواسيب الإبداع أم لم يتمكن، يعتمد في النهاية على أي تعريف للإبداع تميل إليه. ولكن الأكيد هو أن الإنسان قد تمكن هنا من تعليم الحواسيب كيفية الاختراع.

 

 

بإمكان شركة أبل اليوم من استخدام شبكاتها المولّدة للجدل في إنتاج العديد من الصور الناظرة لاتجاهات عدة، الأمر الذي يمكنها من استخدامها في أمور شتى مثل السماح للوجوه التعبيرية (إيموجي Emoji) باستحداث تعبير جديد، باستخدام نسخة مصورة من وجه المستخدم. كما بالإمكان أيضاً لشركات السيارات استخدامها لمعرفة متى يغالب النعاس السائقين اثناء قيادتهم حتى تنبههم منعاً للحوادث.

 

ويشير البحث الذي أجرته شركة أبل على وجود توجهين مهمين في مجال الذكاء الاصطناعي، الأول هو تطوير المهندسين لوسيلة تحل مشكلة نقص البيانات المطلوبة لتعليم الحواسيب وذلك من خلال تصنيع الحواسيب لها. أما الثاني فقد جرت العادة من أن تأتى الأبحاث من الجامعات أو المراكز العلمية، إلا أن أبحاث الذكاء الاصطناعي تبدو استثناءً للقاعدة، فمعظم أبحاث الذكاء الاصطناعي تأتي من شركات مثل أبل وقوقل ومايكروسوفت وفيسبوك وسواها من شركات التكنلوجيا مما يوفر مصادر مالية ضخمة لتلك الأبحاث المهمة. ومع تطور أبحاث الذكاء الاصطناعي بفضل تمويل الشركات يجب ألا ننسى كيف أن العديد من جوانب حياتنا كبشر مثل الإبداع والتفكير والاستدلال يتطور تعريفنا لها يوماً بعد يوم.

 

 

 

ترجمة: فهد محمد الحزمي

[email protected]

Twitter: @Q8_Lines

مراجعة: ندى محمود

Twitter: @NaduSid

 

المصدر:

?SCIWORTHY: Can We Teach a Computer to Be Creative

 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!