هل نحتاج إلى لغة لنفكر؟

26 فبراير , 2017

دقق بواسطة:

رزان الهويشل

هل-نحتاج-إلى-لغة-لنفكر؟

كيف نفكر؟ .. كيف يمكننا صياغة أفكارنا؟ .. هل نفكر بجُمل؟ .. هل نحتاج لغة لنفكر؟ .. هل يمكننا التفكير بدون كلمات؟

للإجابة على هذه الأسئلة يجب أن نفهم أولا الغرض من اللغة. اللغة تسمح لنا بالتواصل مع بعضنا البعض. جميع ما أحرزناه من تقدم كبشر تحقق من التواصل. نحن بحاجة إلى اللغة للتعبير عن أفكارنا للأخرين. نحن نستخدم اللغة في الشكل المنطوق وفي الشكل المكتوب للتواصل.
هناك عشرات الآلاف من اللغات في العالم. مع ذلك هل نحتاج إلى اللغة للتفكير بأفكارنا الخاصة أو نحن نضع في الاعتبار المفاهيم دون وضعها في عبارات؟

كيف فكر البشر قبل أن يكون لدينالغة ؟ ماذا فعل رجال الكهف قبل أن يطوروا لغة خاصه بهم؟ كيف قاموا بمعالجة أحداث اليوم في عقولهم؟ ما الذي كان يدور في أذهانهم؟ كيف كانوا يعطون اهتماماً للتفكير بالأحداث التي تواجههم؟

كان هناك قصة مشهورة عن الصبي الذي نشأ مع الذئاب. و بطبيعة الحال إنه لم يتعلم لغة. إذا كيف كانت تجري الأفكار في رأسه؟ هل كان يفكر مثلنا؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف؟ بأي لغة كان يفكر؟ كيف كان يضع أفكاره في عبارات؟ هل كان هناك طريقة مختلفة تماما لمعالجة أفكاره؟

في الواقع كيف نفكر في عالمنا اليوم؟ هل نحن ننظر إلى الأمور دون كلمات؟ هل سبق أن وجدت نفسك تفعل ذلك؟ أعني أن تكون فعلا لديك القدرة على التفكير والفهم، لمعالجة شعور أو فكرة أو مفهوم، من دون كلمات!

العملية في الواقع تدرس المفاهيم لذلك ولا يلزم لغة لهذا الشيء. حسنا ربما كلمة أو كلمتين ولكن ليس جُملاً كاملة.

على سبيل المثال: تخيل أنك كنت تفكر في الذهاب للتسوق لشراء زوج من الأحذية الجديدة. مجرد المفهوم ضروري لتنفيذ هذه الفكرة. أنت لا تقول لنفسك: “أنا سوف أذهب للتسوق لشراء زوج من الأحذية” أليس كذلك؟ كنت سوف تضع في الاعتبار فكرة “أحذية” في رأسك وربما فكرة “متجر” وهذا كل ما هو ضروري.
من الممكن أن رجال الكهف عملوا نفس الشيء. ولكن ابسط من ذلك بدون استخدام الكلمات. كان المفهوم يستخدم فقط في عملية التفكير. ومع ذلك، هذا ليس مثالاً جيداً لأن رجال الكهف لم يكن لديهم أحذية أو متاجر للتسوق.

كيف تساعدنا اللغة في التفكير؟
التفكير على نطاق واسع يحتوي على الأفكار المعرفية التي تتطلب مقدار معين من اللغة وهذا ما يميز البشر عن الحيوانات. قدرتنا على تحليل و تفسير بيئتنا بكلمات وجمل مركبه.
ولكن من الممكن أن تختلف كُلياً عند التفكير بمشاعرنا و عواطفنا. على سبيل المثال: عندما تفكر بمشاعرك هل تجد نفسك تقول “أنا اشعر بالسعادة” أو أنت فقط تشعر بشعور السعادة بدون التعبير عن ذلك بالكلمات؟
اللغة مهمه لتطوير مفاهيم واسعه وللتفكير المجرد، وهو شيء يطور الانسان لعمله. توفر اللغة مجموعه من القواعد التي تساعدنا على تنظيم الأفكار وبناء معنى منطقي مع أفكارنا.
مع ذلك التفكير الأساسي قد لا يتضمن بالضرورة على بناء الجمل في أذهاننا. لايزال لدينا شكل من أشكال ” الصوت الداخلي” التي نستخدمها لنكون واعين ذاتياً للعالم حولنا وتطبيق تفكيرنا لما نعتزم القيام به بهذا العالم.

كيف يبدو عدم وجود لغة للتفكير بها؟
هذا يجعلني أفكر بالأشخاص الذين يعانون من التوحد الشديد الذين ليس لديهم القدرة على الكلام. كيف يفكرون؟ ما الأفكار التي في رؤوسهم؟
لابد لي من العودة إلى رجال الكهف والطريقة التي من الممكن أنهم فكروا بها. في الوقت الذي لم يكن لدينا لغة منطوقة.
كان لديهم حواسهم الخمس. كان لديهم اتصال مع العالم من خلال تلك الحواس، ولكن لم يكن لديهم لغة للتعبير عن شعورهم تجاه الأشياء التي رأوها أو الأشياء التي لاحظوها بالتفاعل مع الاخرين. إذا فكيف يعبرون عن مشاعرهم في عقولهم فقط من أجل إدراك الأحداث اليومية؟

استخدامهم للحس البصري قد يكون لديهم فهم للعالم المرئي حولهم. هل هي مجرد صور بصرية؟ ربما لون و رائحة أيضا. التفكير عن طريق التعبير عن الأفكار بالألوان، التفكير بالتأمل كيف يتأثرون بالروائح؟ ربما هذا هو كل ما فعله رجال الكهف للتعبير عن أفكارهم الخاصة في رؤوسهم.
ماذا عن الموسيقى؟ أليس هذا شكلا من أشكال التعبير بدون لغة؟ من الممكن أن تقول الموسيقى هي أيضا شكل من أشكال التفكير. بالتأكيد إنها ليست بالكلمات.
ولكن الموسيقى لديها الإيقاع. وهي تستند على تركيب رياضي. بعد كل شيء فإنه يتبع النبض. الموسيقى جاءت قبل اللغة المنطوقة بوقت طويل. إدخال الأرقام في اللغة جاء بعد ذلك بوقت كثير. عندما لم يكن لدى رجال الكهف الأرقام. وكانوا قادرين على التفكير من الناحية العددية بشكل محدود. مثل ” واحد” أو “كثير” لا شيء بينهما.

لا يزال هناك قبيلة موجوده في البرازيل، والمعروفة باسم قبيلة “piraha” الذين لديهم مصطلحات مثل “قليل” و “كثير” في لغتهم. لذلك لا يستطيعون التفكير بالأشياء عدديا.
يقتصر التفكير إلى الحد الذي تسمح به اللغة التي يتم استخدامها. حتى لو اقترحت أنه من الممكن التفكير بدون لغة لكنني أوضح أن اللغة تساعدنا على التفكير. العديد من اللغات مفيدة لعمليات تفكير مختلفة.
العديد من اللغات التي يتحدث بها تكون غامضة. لغات برمجة الحاسوب متخصصة ومصممة لتكون منطقيه. تساهم اللغات الأجنبية بنوع من أنواع التفكير بطريقة أو بأخرى.

تحدث اللغة كالغموض
برأيي اشعر ان اغلب اللغات المنطوقة مكسورة. العديد من الكلمات لها قدر من الإبهام مما يسمح بالغموض.
في بعض المناسبات شهدت محادثة بين شخصين ولاحظت أن  لا أحد منهم يعرف ما يقوله الأخر. كلاهما كان لديه رأي عما يقصده الأخر، لكن غاب عن كلاهما ما كان الأخر يحاول القيام به. بعض الناس لديهم الرغبة في التواصل بشكل جيد. هؤلاء الناس سوف يضعون مزيداً من الجهد للنظر في غموض أقوالهم وسيحاولون تجنب سوء الفهم.
هذه الفئة من الناس يجتهدون لفهم المتحدث. سوف تستوقفهم عبارة من الممكن أن تفسر بطريقتين و يسأل المتحدث “ماذا تقصد بذلك ؟” أو أنهم يقومون بتكرار العبارة بكلماتهم الخاصة ويسأل إذا كان هذا التفسير صحيحاً.
غموض اللغة يمكن أن يؤدي بسهولة للتفكير الخاطئ. وهذا على الأرجح السبب الذي جعل الكثير منا يكتشف أن الحياة لم تتماشى مع مخططاتنا حينما كنا صغارا.

التفكير بسرعه وببطء
التفكير بدون كلمات له فوائد بحيث يمكننا من التفكير بسرعة. هل وجدت نفسك تفكر بشيء بدون وضع أفكارك بجمل كاملة. ربما كنت تفكر بعبارات مجردة، مثل المثال السابق عن شراء زوج من الاحذية.

التفكير المجرد: هو شيء يمكن أن يفعله الانسان بالتأكيد. إنها طريقة سريعة لتعبير عن الأفكار باستخدام الرموز التي تمثلها. من الممكن أن تحقق التفكير السريع بدون لغة عن طريق التفكير المجرد. ضع في الاعتبار المشاعر التي لدينا عن تجاربنا في الحياه. المشاعر مع العاطفة يمكن أن تفسر أسرع من التفكير بجمل منظمة.
بدلاً من التفكير “انا أحب اللوحة التي على الجدار ذات الغدير الجاري” أنت ببساطه تشعر بالسرور وتنتهي من الفكرة بهذه السرعة.ةنحن نبطئ أنفسنا عندما نفكر بلغة مع ذلك اللغة لها فوائدها هناك مكان لكل شيء.

الغرض من التخصص في اللغات
هذا يقودني إلى نقطة مثيرة للاهتمام في مناقشتي. اللغات المختلفة تسمح للتعبير عن الأفكار المختلفة. في منتصف السبعينيات بدأت عملي كمبرمج كمبيوتر و كان لدينا لغات برمجه مصممة لمهام مختلفة.
– لغة فورتن (FORTRAN) مصممة خصيصاً لتعابير الرياضية.
– كوبول (COBOL) كانت تستخدم لبرامج الأعمال.
– بال (BAL) كانت الأقرب إلى لغة الآلة بدون الحاجه إلى التفكير بالصفر و الواحد.
استناداً إلى متطلبات اللغة فإن اللغات المنطوقة تحتوي أيضا على خصائص خاصة مصممه لها. سأعطيك بعضاً من الأمثلة.

التفكير لغة أجنبية يمكن أن يؤثر على أنماط التفكير
العربية لديها أكثر من 40 كلمة عن الجمل. لقد عملت بعض البحث في قوقل التي تظهر أكثر من 300 كلمة.
في اللغة الإنجليزية لدينا كلمة واحده فقط للجمل و نقوم بإدراج صفة أمامها من أجل وصف الجمل التي تشير إليها ، جمل ذكر،  جمل أنثى، صغير أو كبير وهكذا.
اللغة العربية تفصل الفروق و الاختلافات في الجمل من عمر، لون، عدد الحدبات، الجنس و التكاثر إلى كلمات فريدة لهذا النوع.
هذه الاشارة المباشرة إلى الأنواع المختلفة من الجمال مفيدة للتواصل بما أن الجمال مهمة للبقاء على قيد الحياة في العالم العربي. لذلك أود أن أقول أنها كذلك مفيدة للتفكير المعرفي.
لدينا مثال مماثل في العالم الغربي للطيور. لدينا كلمات مختلفة لتصنيف الأنواع المختلفة من الطيور مثل حمام، عصفور ابو الحناء، نقار الخشب، الطنان، ببغاء، عصفور، بومة، صقر، الخ . اتذكر الانجليزية في المرحلة الثانوية، عند عدم وجود إشارة مباشرة إلى الاسم في اللغة، اذا انت تحتاج الى صفة لاستخدامها ككلمة وصفية.
الإنجليزية والإسبانية مثالين حيث نستخدم كلمات وصفية لتحديد الاسم بشكل أفضل.
في اللغة الإنجليزية تأتي الصفة قبل الاسم، ولكن هذه ليست شائعة بين جميع اللغات الإسبانية على سبيل المثال، لديها الصفة بعد الاسم. في اللغة الانجليزية نقول ” جولي هي ابنة عمي المفضلة لدي” “Julie is my favorite cousin” اما في الاسبانية يقال “جولي هي ابنة عمي المفضلة” “Julie is my cousin favorite”.

يمكن أن يبدأ الشخص برؤية هذا عندما يتعلم لغة جديدة. من الممكن تغير أنماط التفكير كذلك. يمكن أن تساعد الأساليب المختلفة التي تفرضها اللغة و القيود أو إضافة كلمات تشير مباشرة إلى شيء على التفكير والتواصل.

التفكير غير اللفظي
ما هو التفكير غير اللفظي؟ التفكير بدون استعمال الجمل. لقد فكرت بذلك كثيراً لأن المفهوم له علاقة. كنت أضع أفكاري في جمل لمحاولة التواصل مع نفسي. ربما جزءٌ في دماغي يتواصل مع جزءٍ آخر من خلال تقديم جمل مركبة لتشخيصها وتفسيرها.

الأهم من ذلك، أدركت فجأة أنني كنت أسمح لعقلي بالتأثير على الأفكار. حاولت أن أمسك نفسي أُمعن التفكير بالمفاهيم بدون استخدام الكلمات.
نحن نفكر بطرق غير لغوية بديلة. كم مرة فكرت بفكرة بصريا؟ من الممكن للصور أن تستبدل اللغة للتواصل والتفكير.
يمكن تمثيل العالم بطرق لا يحتاج فيها إلى لغة للتواصل مثل:
النمل يتواصل عن طريق الرائحة، وذلك باستخدام الفيرومونات كإشارات كيميائية. النحل يتواصل عن طريق الرقص، حيث يستخدمون الحركة للإشارة إلى المكان الذي وجدوا الطعام فيه. حسنا أنا اتحدث كثيرا ًعن التواصل و ليس التفكير الداخلي. طريقة التفكير بدون لغة هي التفكير المجرد.

التفكير المجرد يتجاوز الأفكار الملموسة التي يمكن بناؤها فقط مع الجمل. إنها تتيح القدرة على تصور الأفكار أبعد مما هو واضح.
سوف تعرف أنك تقوم بذلك عندما تجد نفسك تفسر الأشياء من حولك في شكل من أشكال التمثيل بدلاً من تفسير الأشياء حرفياً. التمثيل لا يتطلب لغة. بالنسبة لهذا الأمر، التفكير بالتصوير يمكن أن يتحقق بشكل أسرع من التفكير الحرفي لأنه لا يخسر الوقت لوضع الافكار في كلمات.
غالبا الأطفال العباقرة الذين يستطيعون ضرب أعداد كبيرة في عقولهم يستخدمون طرق تفكير مجردة.
الأحكام الأخلاقية ممكن أن تتخذ بالمشاعر بدلاً من التحدث إلى نفسك بجمل.

ربما بعض الأشخاص يعيشون الحياة بضمير يخبرهم كيف يتصرفون:
“يجب أن لا أسرق”، “يجب عليّ أن أُحسن الظن في هذا الشخص”، “من الأفضل أن انهض من الفراش و إلا سأتأخر”، إذا وجدت نفسك تتخذ قرارات في الحياة لا تحتاج إلى الكثير من التفكير الذهني أنت غالبا تفكر تفكير مجرد وغير لغوي.

الأفكار الواعية والمشاعر لا تتطلب كلمات
الإدراك أو الوعي لا يتطلب كلمات. لا يزال هناك شكل من أشكال التفكير يجري. الانتباه الى ما يجري حولنا أو تصرفاتنا لا يحتاج بالضرورة إلى كلمات. معظمها نشاط دماغي. يتم تشغيل مناطق مختلفه من الدماغ بناءً على ما يحدث. في الواقع قد يكون لدينا مشاعر و عواطف من هذا النشاط الدماغي. قد لا تكون هناك حاجة إلى أن تكون الأفكار في شكل كلمات من أجل أن يشعر بالشعور. كم مرة تجد نفسك تقول، “أشعر بشعور جيد نحو هذا الشيء” أو “اعلم أنه يجب علي التعامل مع هذه المسألة بشكل مختلف”.

تلك الأفكار المتعلقة بالمشاعر قد تطورت دون وعي في الدماغ. أنت لا تحتاج إلى استخدام الكلمات الفعلية أو الجمل. ليس هناك حاجة دائمة للكلمات لوصف مشاعر الرضا أو الإستياء.

لغتنا الأم تحدد كيف نفكر؟
نشر اثنين من اللغويين إدوارد سابير (1884-1939) وبنيامين ورف (1897-1941) نظرية مثيرة للاهتمام المعروفة  بفرضية (سابير ورف) التي تنص على أن الطريقة التي يفكر بها الناس تتأثر بشدة بلغتهم الأم. واحده من فرضياتهم تعرف باللغوية النسبية. كلمات اللغة تحدد كيف تفكر العينة.

أنا لست متأكداً من أنني أتفق تماما مع هذا، لأنه يعني أن الفرد يمكن أن يفكر بمفهوماستخدام الكلمات التي تمليها اللغة فقط.

على الرغم من أنني أوافق على أن معظمنا يفعل ذلك أغلب الوقت، ذلك لأننا تعلمنا لغة ونستخدمها فقط. ولكن كما ذكرت سابقا اعتقد أن الناس لديهم القدرة على التفكير من حيث المفاهيم؛ لذلك الكلمات ليست دائما ضرورية.

يمكن للفرد أن يكون له مفهوم فكرة؛ هل أتيت بمفهوم ما في عقلك بدون أن تضعه في كلمات؟

بنيامين ورف يشير إلى أن الكلمات تضع تصنيف على الفكرة، والذي يؤثر على تفكيرنا حولها. وأنا اتفق مع هذا. من الممكن أن رجال الكهف كانوا محدودي بطريقة التفكير هذه لأنهم لم يطوروا لهم لغة بعد. اللغة بالفعل تساعد على عملية التفكير و التواصل ولكنها ليست شرطاً أساسياً.

ترجمة: أماني المطيري
Twitter: @Ama_world

مراجعة: رزان الهويشل

Twitter: @R0azan000

المصدر:

Owlcation 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!